فرعون يعذب السحرة الذين آمنوا
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ( 123 ) لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ( 124 ) قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ( 125 ) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ( 126 )
إن الطاغية لا يكفر إلا في نفسه ، ولا يحس بحق غيره لا من زاوية استقامة الأمر لأهوائه وشهواته ، لقد ثارت نقمة فرعون لأمور:
أولها – إنكار موسى ألوهيته .
ثانيها – تحديه بآياته ، وكان يرجو ويتوهم أنه يقضي على موسى بحجته ، فاستعان بالسحر والسحرة ، فما أسعفوه بحجة ، فكان الغلب عليه ، فأثاره ذلك .
ثالثها – ثم كان من بعد ذلك أن من استعان لهم ليغلبوا موسى وهارون خذلوه .
رابعها – وأيدوهما ، وآمنوا بهما ، وتشايع بين الناس إيمانهم ، فغلت بالشر نفسه ، والمعاندة لا تزيده الآيات البينات إلا كفرا ، رأى فرعون ما رأى ، فلم يؤمن ؛ لأن نفسه لم تكن نفس مؤمن ، بل طغى وبغى ، وقد رأى ملكه يزول ، وأوهامه تضمحل فطغى وبغى وآثر الملك والحياة الدنيا على الآخرة ، واتجه إلى السحرة ، يعذبهم ، ويصب جام غضبه عليهم .
{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم} .
يوبخهم على إيمانهم قبل إذنه ، فالاستفهام إنكاري لإنكار الواقع ، وإنكار الواقع توبيخ ، وموضع التوبيخ أنهم آمنوا قبل أن يأذن لهم ! ! ، وكان طاغوته قد سول له أنه ملك قلوبهم وألسنتهم فلا تتحرك إلا بإذنه ، وقد رأينا ذلك من فرعون دونه عقلا ، وفوقه طغيانا .
ولم يذهب إلى نفسه أنه حق أدركوه ، وإيمانا صدقوا به موسى وهارون ، بل حكم على أساس من وهمه أنه مؤامرة عليه ، وهو الذي اصطفاهم واختارهم من بين رعيته وهم مختارون من الشعب فموه على الشعب بباطله أنه مؤامرة عليه وعلى الشعب ، فقال:{ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} ، أي لتفرضوا على أهلها سلطانا غير سلطانها ، فتفقد استقلالها ، ولا تكون لها أرضها ، ردف ذلك بالتهديد الشديد ، والعذاب العتيد ، قال:{ فسوف تعلمون} ، أي سننزل بكم عذابا تعلمونه بالعيان ، لا بالبيان ، و ( سوف ) هنا لتأكيد الكلام .