{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إنّ هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون 123 لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ثمّ لأصلّبنّكم أجمعين 124 قالوا إنّا إلى ربّنا منقلبون 125 وما تنقم منّا إلّا أن آمنّا بآيات ربّنا لمّا جاءتنا ربّنا أفرغ علينا صبرا وتوفّنا مسلمين 126}
بعد ما كان من إيمان السحرة كان أول ما يخطر في البال ، ويتوجه إليه السؤال ، ما فعل فرعون وما قال ؟ وهاك البيان:
{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم} قرأ حفص آمنتم بصيغة الخبر ويحتمل فيه تقدير همزة الاستفهام فهو قياسي يعتمد في فهمه على صفة الأداء وجرس الصوت فيه .وبذلك يوافق سائر القراء في المعنى فهو عندهم استفهام إنكاري توبيخي أثبت همزته حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وروي عن يعقوب ، وروي في إثباتها تحقيق الهمزتين بالنطق بهما وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية بين بين ، وقرئ بذلك في أمثالها .والمعنى أآمنتم بموسى أو برب موسى وهارون قبل أن آذن لكم وآمركم بذلك ؟ وفي سورة طه{ قال آمنتم له} [ طه:71] والضمير فيه لموسى قطعا لأن تعدية الإيمان باللام تضمين يفيد معنى الاتباع والخضوع .المعنى:وأآمنتم به متبعين له إذعانا لرسالته قبل أن آذن لكم ؟ ولذلك يتعين استعمال هذا التضمين في الإيمان بالرسل والاتباع لهم كقوله تعالى حكاية عن فرعون{ أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} [ المؤمنون:47] وقد اقتبس المعري هذا الاستدلال في قوله:
أعبّاد المسيح يخاف صحبي *** ونحن عبيد من خلق المسيحا
ومثله قوله تعالى في سورة الشعراء حكاية عن قوم نوح عليه السلام{ أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} [ الشعراء:111] وقوله حكاية عن كفار قريش{ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} [ الإسراء:90] وليس منه قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف{ وما أنت بمؤمن لنا} [ يوسف:17] بل هذه لام التقوية أي وما أنت بمصدق لنا .وقد بين فرعون علة إيمانهم بما ظنه أو أراد أن يعتقده قومه فيهم فقال مواصلا تهديده{ إنّ هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} أي أن هذا الصنيع الذي صنعتموه أنتم وموسى وهارون بالتواطؤ والاتفاق ليس إلا مكرا مكرتموه في المدينة بما أظهرتم من المعارضة والرغبة في الغلب عليه مع إسرار اتباعه بعد إدعاء ظهور حجته ، زاد في سورة طه{ إنّه لكبيركم الذي علّمكم السّحر} [ طه:71] فأجمعتم كيدكم لنا في هذه المدينة لأجل أن تخرجوا منها أهلها المصريين بسحركم –وهو ما كان أتهم به موسى وحده- ويكون لكم فيها مع بني إسرائيل ما هو لنا الآن من الملك والكبرياء كما حكاه تعالى عن فرعون وملئه في سورة يونس- .
{ فسوف تعلمون} ما يحل بكم من العذاب ، جزاء على هذا المكر والخداع ، وبين ذلك بقوله:{ لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلّبنّكم أجمعين} .