{قَالَ فِرْعَوْنُ ءَامَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} إنه ينكر عليهم أن يؤمنوا قبل أن يأذن لهم ،كأنَّ عمليّة الإيمان تحتاج إلى الإذن الفرعوني ،كما يحتاج إليها أي عمل آخر يتعلق بقضايا الإدارة والحياة ...وتلك هي عقليّة الطغاة وسيرتهم في كل زمانٍ ومكانٍ ،عندما يريدون امتلاك عقول الناس وأفكارهم ،فلا يفكرون إلا بما يقدمونه لهم من أفكار ،ولا يؤمنون إلا بما يدعونهم إليه من عقيدةٍ .فالتفكير ممنوع ،والإيمان محرّمٌ بدون الإذن الرسميّ من قِبَل السلطة التي تملك العقولكما يخيل لهاكما تملك الأجسام والأعمال .
فرعون يصر على كفره ويتوعد السحرة
{إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} .وهذه محاولةٌ لتخفيف وقع الصدمة على نفسه ،وحراجة الموقف فيها ،لأنّ ما حدث يشكّل نقطة ضعف في سلطانه ،باعتبار أن المتمرّدين من أتباعه المقرّبين ،فيحاول أن يصوّر لنفسه وللاخرين أن القضيةمنذ البدايةلم تكن تمرّداً عميقاً يصدر عن قناعة بالدعوة الجديدة ،أو رفضاً للسلطة القديمة بكل ما تمثله من أفكار ،بل كانت مؤامرةً مدبرةً بين موسى وبين هؤلاء السحرة ،باعتبار أنه أستاذهم الكبير الذي علمهم السحركما في آيات أخرىفأرادهم أن يقوموا بهذه التمثيلية ،لإظهاره في موقف المنتصر في مقابل فرعون الذي يقف في موقف المهزوم .