{قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون( 123 ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنّكم أجمعين( 124 )}:
التفسير:
{123 – قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم} .
قرئ بحذف الهمزة على الإخبار ،وقرئ بإثباتها على الاستفهام التوبيخي من فرعون للسحرة .
فقد أنكر عليهم جرأتهم في إعلان الإيمان بموسى من قبل أن يأذن لهم فرعون .
فهو لغروره وجهله ظن أن الإيمان بالحق بعد أن تبين يحتاج إلى استئذان .
{إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} .
أي: إن ما صنعتموه من الإيمان بموسى وصدق رسالته لم يقع منكم ؛لوضوح حجته ،وصدق معجزته ،بل هو حيلة احتلتم بها ،وخديعة اتخذتموها بالاتفاق مع موسى في مدينة مصر ؛لتخرجوا منها سكانها الأصليين – القبط – فيزول ملكهم ،وتزول دولتهم ،يستقر لكم الأمر من بعدهم وقد قصد فرعون بهذا الأسلوب أن يلقي في أسماع عامة القبط بشبهتين .
الأولى: أن إيمان لسحرة كان بناء على اتفاق سابق وتواطؤ مع موسى .
الثانية: أن ذلك كان لإخراج أهل مصر من ديارهم ،وقصده تثبيت أهل مصر على ما هم عليه من عبادته والخضوع له ،وإذكاء نار عداوتهم لموسى وحقدهم عليه ،إذ ليس أشق على النفوس من مفارقة الأديان وترك الأوطان .
وهكذا يقف الطغاة ضد كل داعية مخلص ،وعندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم دعوته في أهل مكة ،قدم عليه بعض الوفود من العرب ،فقال له أحد الوافدين ،أن كلامك يا أخا قريش لمما تكرهه الملوك .
لأن دعوة الرسل الحقة ،يترتب عليها إحقاق الحق ،وإزهاق الباطل ،الحكم بالعدل ،وقطع دابر الظلم ،ولذلك يحتال الطغاة الظالمون في سائر مراحل التاريخ ؛لتشويه دعوة الرسل ،وإلصاق التهم بالمصلحين .
قال تعالى:
{وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننّكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامى وخاف وعيد . ( إبراهيم: 13 ،14 ) .
فسوف تعلمون .
أي: فسوف تعلمون الأهوال التي سأنزلها بكم جزاء إيمانكم بموسى وتواطئكم معه ،ثم فصّل هذا الوعيد بقوله:
{لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجميعن} .