قوله تعالى:{وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قتالهم الله أنى يؤفكون 30 اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} .
هذه واحدة من افتراءات اليهود والنصارى على الله بما يصمهم العتو الفادح المغالي ويجعلهم في عداد المشركين الكفرة لا محالة .إن ذلك تخريص من تخريصات الفريقين وهم يفترون على الله الكذب ،إذ يزعمون أنه أب لمولود ،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .أما عزير: فهي نبي من أنبياء بني إسرائيل بعثه الله فيهم ليجدد لهم التوراة ،وليكون لهم آية بعد ما أماته الله مائة عام ثم بعثه .وذلك بعد أن عزا بختنصر بيت المقدس وظهر على بني إسرائيل فقتل رجالهم وسبى نساءهم وصغارهم وأحرق توراتهم وسامهم سوء الإذلال والتنكيل .ثم خرج عزير وهو غلام يسيح في الأرض فأتاه جبريل عليه السلام ولقاه التوراة فحفظها ،ثم أملاها على بين إسرائيل دون أن يفقد منها حرفا .فقالوا: ما جمع الله التوراة في صدر عزير وهو غلام إلا لأنه ابنه .وهذا محض باطل وهراء ما ينبغي لذي مسكة عقل أن يجترها لسانه .
وكذلك النصارى قالوا: المسيح ابن الله ؛وذلك لما اشتبهت عليهم ولادته من غير أب ،فسدروا في الافتراء والضلالة باختلاق هذه الفرية الفظيعة التي تنفر منها أبسط مراتب التفكير السليم .والمسيح برئ من كل هذا اللغط الأحمق الفاجر ؛إذ كان عليه السلام يزجرهم زجرا ويتبرأ من مقاتلهم المقبوحة ويبين لهم في قطع أبلج أنه عبد الله ورسوله ،وأن أمه مريم العذراء البتول أفضل نساء العالمين طهرا وتقي وعفافا وقد ولدته من غير أب بمشيئة الله .
قوله:{ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل}{يضاهون} بمعنى يشابهون .والمشاهأة تغني المضاهاة وهي المشابهة ؛ضاهاه: شاكله .وضهيك يعني شبيهك{[1758]} ،والمعنى: أنهم يلغطون بهذا الغلط الظالم المفترى بأفواههم من غير برهان على ذلك ولا حجة ،فليس قولهم هذا إلا الألفاظ المهملة المفرغة من أي مضمون معتبر أو معنى يستحق الذكر ،وهم في ذلك{يضاهون قول الذين كفروا من قبل} أي يشابهون في قوله من حيث العتو وشناعة الكفر قول الذين كفروا من قبلهم وهم المشركون الذين قالوا: الملائمة بنات الله –سبحانه وتعالى عما يقولون- قوله:{قاتلهم الله أنى يؤفكون} هذا دعاء عليهم ،ولا ريب أن الهلاك حائق بمن قاتلهم الله .وقيل: لعنهم الله .وهو قول ابن عباس .
وفي الجملة: فإن المراد التشنيع على هؤلاء الضالين الساردين في ظلمة الإشراك بالله{أنى يؤفكون} أي كيف يصرفون عن الحف إلى الباطل بعد وضوح الدليل وسطوح الحجة .