قوله تعالى:{إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله يهدي القوم الكافرين}{النسيء} معناه التأخير .وهو مصدر بمعنى الإنساء وهو التأخير ،أنسأته إنساء ؛إذا أخرته عنه .والاسم النسيئة والنسء .ومنه: أنسأ الله فلانا أجله .ونسأ في أجله{[1778]} والمراد: تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ؛فقد كانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم المذكورة سابقا ،فإذا دعتهم الحاجة إلى القتال فيها ،قاتلوا حرموا غيرها بدلا منها ،فإذا قاتلوا مثلا في المحرم ،حرموا بدلا منه شهر صفر وهكذا في غيره .وقد حملهم على ذلك أن أكثرهم كانوا يعيشون من الغارات وغزو بعضهم بعضا ونهب ما يمكنهم أن ينبهوه ،فيقع بسبب ذلك بينهم القتال ،ومن أجل ذلك كانوا يحللون لأنفسهم بعض الأشهر الحرم ؛ليحرموا مكانه بقدره من أشهر أخرى غير الحرم .وهذا هو النسيء .
قوله:{زيادة في الكفر} يعني هذا النسيء الذي بينا معناه آنفا ،زيادة في كفرهم .فقد أتوا وجوها في الكفر ،منها: جحودهم الخالق ،وإنكارهم البعث ،وتكذيبهم النبيين والمرسلين .فجاء النسيء زيادة على هذه الوجوه ؛أي أنهم ازدادوا بالنسيء كفرا على كفرهم ؛فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم فضلوا به ضلالا زائدا .وهو قوله:{يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} .
قوله:{ليوطئوا عدة ما حرم الله}{ليوطئوا}: ليجتمعوا ويتفقوا .واطأه على الأمر: وافقه .تواطأوا عليه ؛أي اتفقوا{[1779]} .والمعنى: أنهم يوافقون بعدة الشهور التي يحرمونها عدة الأشهر الأربعة التي حرمها الله من غير زيادة عليها ولا نقصان منها .فهم بذلك لم يحلوا شهرا إلا حرموا بدلا منه شهرا آخر ؛ليبقى الأشهر الحرم أربعة ؛وبذلك يحلون ما رحم الله من الأشهر الحرم التي أبدلوها بغيرها .
قوله:{زين لهم سوء أعمالهم} أي زين الشيطان لأتباعه المشركين الضالين ما اقترفوه من المعاصي وأنواع الكفر ،ومن جملتها ذلك .
قوله:{والله لا يهدي القوم الكافرين} وذلك إذا اختاروا الباطل فمالت إليه نفوسهم بعد أن جنحوا عن طريق الله وأبوا إلا المضي في طريق الشيطان{[1780]} .