النسيء: التأخير ،تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر كان العرب في الجاهلية يؤخرون شهراً إلى شهر آخر فكانوا مثلا يؤخرون المحرَّم إلى صفر ،وهكذا وقد أبطله الإسلام .
ورثت العربُ من ملّة إبراهيم وإسماعيل تحريمَ القتال في الأشهر الحرم لتأمين الحجّ وطُرُقه .ولما طال عليهم الأمد غيّروا وبدّلوا في المناسك وفي تحريم الأشهر ،إذ كان يشِقُّ عليهم تركُ القتال وشنّ الغارات مدة ثلاثة أشهر متواليات ،فكانوا يحلُّون شهر المحرَّم ويؤخرون تحريمه إلى صَفَرَ لتبقى الأشهر الحُرُم أربعة .
وقال ابن كثير: إنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سَرْد متوالية ،وواحد فَرْدٌ وهو رَجَب ،وذلك لأجل أداء المناسك ،فحُرِّم قبلَ أشهرِ الحج شهرٌ وهو ذو القعدة لأنهم يقعُدون فيه عن القتال ،وحُرّم ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بأداءِ المناسك .وحُرّم بعده شهر آخر هو المحرَّم ليرجِعوا فيه إلى أقصى بلادِهم آمنين .وحرم رجَبُ في وسط الحول ،لأجل زيارة البيت والاعتمار به ،لمن يَقْدَم إليه من أقصى الجزيرة فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا .
قال ابن إسحاق: كان أولَ من نَسأَ الشهور على العربِ ،فأحلَّ منها ما حرّم اللهُ ،وحرَم منها ما أحلّ الله عز وجل ،«القَلَمَّس » وهو حُذَيفة بن فقيم الكِناني ،ثم قام بعده أولاده وأحفاده بذلك .وكان آخرَهم جُنادةُ بن عوف ،أبو ثمامة ،وعليه قام الإسلام .
فكانت العرب إذا فرغت من حجّها اجتمعت إليه ،فقام فيهم خطيباً فحرَّم رجَباً وذا القعدة وذا الحجة ويُحِلَّ المحرّم عاماً ويجعل مكانه ( صَفَرا ) ،ويحرّمه عاما ليواطئ عدةَ ما حرّم الله ،فيحلّ ما حرّم الله ،ويحرّم ما أحلّ الله .
ومعنى:{إِنَّمَا النسيء زِيَادَةٌ فِي الكفر ...الآية} .
إن تأخير هذه الأشهر الحُرُم أو بعضِها مما رتّبها الله عليه ( كما كان يفعل أهل الجاهلية ) هو إمعانٌ في الكفر ،به يزداد الذين كفروا ضلالاً فوق ضلالهم ،وذلك لجعلهم الشهر الحرام حلالا .لقد زيَّن لهم الشيطانُ أعمالهم بهذه الشُّبهة الباطلة ،واللهُ لا يهدي القوم الضالين المصرّين على كفرهم إلى طريق الخير .
قراءات:
قرأ نافع برواية ورش: إنما النسيُّ ،والباقون: «النسيء » بالهمزة .وقرأ حمزة والكسائي وحفص: «يُضَلُّ » بضم الياء وفتح الضاد ،وقرأ يعقوب: «يُضِل » بضم الياء وكسر الضاد .والباقون: «يَضِل » بفتح الياء وكسر الضاد .