قوله تعالى:{ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم 91 ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} هذا أصل في عدم التكليف في حق ذوي الأعذار من أهل الزمانة والهرم والمرض أو العاجزين عن السفر لسبب حقيقي معقول .أو الذين لا يملكون أهبة الجهاد من النفقة .ونحو ذلك من المعاذير المشروعة التي تحول بين المرء وفريضة الجهاد .وهذا مدلول من مدلولات الإسلام في مراعاته لقدرات البشر وإمكاناتهم المادية والجسدية والمعنوية ،بعيدا عن التكليف بما لا يطاق .والأصل في ذلك كله أنه{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وعلى هذا فإنه ليس من إثم على الضعفاء ولا المرضى ولا الفقراء العالة الذين لا يجدون أهبة للجهاد .إنه ليس على هؤلاء المعذورين من بأس أو مساءلة في التخلف عن الجهاد لضعفهم وعجزهم عن القيام بهذا الواجب الكبير الذي لا يحتمله غير الأصحاء والأسوياء والقادرين من الناس .
قوله:{إذ نصحوا لله ورسوله}{نصحوا} من النصيحة ،وهي قول فيه دعا إلى صلاح ونهي عن فساد .ومنه الناصح ،وهو الخالص من كل شيء .نصح الشيء نصحا ونصوحا ونصاحة ؛أي خلص .ونصح قلبه ؛أي خلا من الغش{[1870]} .والمعنى المراد هنا: هو قبول الأعذار من هؤلاء المعذورين ،ورفع الإثم عنهم لتخلفهم عن الجهاد على أن يلتزموا النصيحة لله ورسوله في مقابلة قعودهم ،فإذا لبثوا في المدينة قاعدين أذاعوا في الناس الأخبار السارة ،ونشروا في أوساطهم الأمن والطمأنينة ،وبذلوا لهم من العون المعنوي ما يحول بينهم وبين الأراجيف وأخبار السوء .
قال الرازي في تأويل قوله:{إذا نصحوا لله ورسوله}: معناه: أنهم أقاموا في البلد احترزوا عن إلقاء الأراجيف ،وعن إثارة الفتن ،وسعوا في إيصال الخير إلى المجاهدين الذين سافروا ،إما بان يقوموا بإصلاح مهمات بيوتهم ،وإما بأن يسعوا في إيصال الأخبار السارة من بيوتهم إليهم ؛فغن جملة هذه الأمور جارية مجرى الإعانة على الجهاد{[1871]} .
قوله:{ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم} أي من نصح لله ورسوله بعد أن تخلف عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعذر من الأعذار ،ليس عليه سبب يوجب عقابه .أو ليس على المعذورين الناصحين من سبب يدعو إلى عقابهم ومؤاخذتهم ؛بل إن الله يستر على المحسنين ذنوبهم ويشملهم برحمتهم فلا يعذبهم .