{نَصَحُواْ}: النصح: إخلاص العمل من الغش .
أعذار التخلف المشروعة
وفي هذا الجوّ ،يثير القرآن بعضاً من النماذج التي تملك العذر المشروع للتخلف عن القتال ،لأنها لا تملك الطاقة الذاتية التي تساعدها على ذلك ،ولا تجد الوسائل العملية التي توصلها إليه ،ولكنها تملك الإيمان العميق الذي يدفعها إلى النصح لله ولرسوله ،ممن أحسنوا العزم والشعور والعمل .
{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ} الذين يعيشون الضعف الجسدي كحالةٍ طبيعيّةٍ لازمةٍ{وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى} الذين يعيشون الضعف الطارىء عن حالة المرض فيمنعهم من المشاركة في القتال ،{وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} حيث كانت الحرب آنذاك مما يتحمّل مسؤوليتها المقاتلون أنفسهم لا السلطة الموجودة في الساحة .فقد لا يكون للمقاتل مالٌ ينفقه على نفسه وعلى الحرب ،فليس عليه في هذه الحال ،ولا على غيره ممن لا يملكون الطاقة{حَرَجٌ} ولا عقدةٌ ،لأن الله قد منحهم الرخصة في عدم خوض المعركة{إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} فعاشوا في أعماقهم ومشاعرهم الإخلاص والجدّية والاهتمام بكل ما يتصل بمسيرة المعركة في الداخل والخارج ،وقدّموا النصح ،في ما يملكون تقديمه من رأي وخطةٍ وتعاونٍ في غير مجالات القتال ،لأن ذلك هو مظهر النصح الذي لا يدّخر جهداً في سبيل الوصول إلى النتائج الكبيرة في المعركة{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} لأنهم أحسنوا في ما يستطيعون تقديمه ،وفي ما يملكون تحريك مشاعرهم نحوه ،إذا لم يملكوا تحريك أيديهم وأرجلهم إليه .
وهذه قاعدةٌ عامّةٌ في جميع المجالات العامة لحركة الإنسان في أجواء المسؤولية ،إذا كان عمله متحركاً في طريق الإحسان إلى الأفراد والمجتمعات ،ولذا اعتبرها الفقهاء أساساً تشريعيّاً في كثيرٍ من الموارد التي قد تتحقق فيها الخسارة من تصرفٍ شخصيٍ تجاه آخر ،فلا يُحكم بضمانه إذا كان محسناً له في هذا العمل ،وإن كان فيه إساءةٌ له من حيث النتائج{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .