/م91
الآية الأُولى تقول: إنّ الضعفاء ،والعاجزين لكبر أو عمى أو نقص في الأعضاء ،والذين لا وسيلة لهم يتنقلون بها ويستفيدون منها في المشاركة في الجهاد ،لا حرج عليهم إِذا تخلفوا عن هذا الواجب الإِسلامي المهم: ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ) .
هذه الأقسام الثلاث تعذر في كل قانون إِذا لم تشارك ،والعقل والمنطق يمضي هذا التسامح ،ومن المسلم أنّ القوانين الإِسلامية لا تنفصل عن المنطق والعقل في أي مورد .
كلمة «الحرج » في الأصل تعني مركز اجتماع الشيء ،ولما كان اجتماع الناس وكثرتهم في مكان ومركز ما ملازم لضيق ذلك المكان ،فقد استعملت هذه الكلمة بمعنى الضيق والإِزعاج والمسؤولية والتكليف ،ويكون معناها في هذه الآية هو المعنى الأخير ،أي المسؤولية والتكليف .
ثمّ بيّنت الآية شرطاً مهماً في السماح لهؤلاء بالانصراف ،وهو إخلاصهم وحبّهم لله ورسوله ،ورجاؤهم وعملهم كل خير لهذا الدين الحنيف ،لذا قالت: ( إذا نصحوا لله ورسوله ) أي إنّ هؤلاء إذا لم يكونوا قادرين على حمل السلاح والمشاركة في القتال ،فإنّهم قادرون على استعمال سلاح الكلمة والسلوك الإِسلامي الأمثل ،وبهذا يستطيعون ترغيب المجاهدين ،ويثيرون الحماس في نفوس المقاتلين ،ويرفعون معنوياتهم بذكرهم الثمرات المترتبة على الجهاد وثوابه العظيم .
وكذلك يجب أن لا يقصروا في هدم وتضعيف معنويات العدو ،وتهيئة أرضية الهزيمة في نفوس أفراده قدر المستطاع لأنّ كلمة ( نصح ) في الأصل بمعنى ( الإخلاص ) وهي كلمة جامعة شاملة لكل شكل من أشكال طلب الخير والإِقدام المخلص في هذا السبيل ،ولما كان الكلام عن الجهاد ،فإنّها تنظر إِلى كل جهد وسعي يبذل في هذا المجال .
ثمّ تذكر الآية الدليل على هذا الموضوع ،فتذكر أن مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يألون جهداً في عمل الخير ،لا يمكن أن يعاتبوا أو يُوبَّخوا أو يُعاقبوا ،إذ ( ما على المحسنين من سبيل ) .
بعد ذلك اختتمت الآية بذكر صفتين عظيمتين من صفات الله عزّ وجلّوكل صفاته عظيمةكدليل آخر على جواز تخلف هؤلاء المندرجين ضمن المجموعات الثلاث فقالت: ( والله غفور رحيم ) .
( غفور ) مأخوذة من مادة الغفران ،أي الستر والإخفاء ،أي إن الله سبحانه وتعالى سيلقي الستار على أعمال هؤلاء المعذورين ويقبل أعذارهم ،وكون الله «رحيماً » يقتضي أن لا يكلف أحداً فوق طاقته ،بل يعفيه من ذلك ،وإذا أُجبر هؤلاء على الحضور في ميدان القتال ،فإنّ ذلك لا يناسب غفران الله ورحمته ،وهذا يعني أنّ الله الغفور الرحيم سيعفي هؤلاء عن الحضور حتماً ،ويعفو عنهم .
ويستفاد من جملة من الرّوايات التي نقلها المفسّرون في ذيل هذه الآية ،أنّ هذه المجموعات المعذورة لا يقتصر الأمر فيهم على السماح لهم في التخلف وعدم مؤاخذتهم فحسب ،بل إنّ أفرادها لهم من الجزاء والثواب كثواب المجاهدين الذين حضروا وقاتلوا ،كل على قدر اشتياقه وتحرقه للمشاركة ،فنحن نقف على حديث عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونقرأ: إِنّ رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما قفل من غزوة تبوك فأشرف على المدينة قال: «لقد تركتم بالمدينة رجالا ما سرتم في مسير ،ولا أنفقتم من نفقة ،ولا قطعتم وادياً إِلاّ كانوا معكم فيه قالوا: «وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟قال: حبسهم العذر »{[1659]} .
/خ93