{مِّدْرَاراً}: مبالغة في الدر ،وهو القطر المتتابع غير المفسد .
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} فقد انحرفتم كثيراً عن طريقه ،وتمرّدتم على إرادته ،وعصيتم أحكامه ،مما يستتبع الابتعاد عن ساحة رحمته ،والوقوع في ساحة غضبه ،فارجعوا إليه في وقفة استغفار ،ليغفر لكم ذنوبكم إذا عرف منكم صدق النيّة ،وإخلاص الموقف ،وتوبوا إليه توبةً نصوحاً تعلن الندم عما مضى ،وتقرّر التغيير في ما يأتي ،فهو وليّ الإنسان والحياة ،فمنه قوّته ،ومنه نعمته ،ومنه قبل ذلك كله ،سرّ حياته ،فلا يستطيع الإنسان الانفصال عنه ،بل لا بد من الرجوع إليه في كل الأمور ،فإذا كنتم تريدون زيادة القوّة ،لتواجهوا كل تحديات الآخرين من حولكم بشكل أقوى ،وإذا كنتم تريدون خصب الأرض التي تسكنونها ،ووفرة الماء الذي تشربونه ،فارجعوا إليه ،بخشوع وخضوع ،{يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} في هطول متتابع ،فيحيي زرعكم وأنعامكم ،{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} لأنه خالق القوة كلها ،فمنه وجودها ومنه حركتها ونموّها ،{وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} أي لا تُعرضوا عن هذه الدعوة ،وعن الله ،لتسيروا في خط الجريمة في العقيدة وفي السلوك .
بين التوبة وزيادة القوة
وقد يطرح البعض سؤالاً حول هذا التلازم بين التوبة ،وزيادة القوة ،وهطول المطر ،في الوقت الذي نعرف فيه أن الله قد أجرى لكل شيء سبباً ،فقدّر لزيادة القوّة شروطاً لا بد من تحققها ،وجعل للمطر أسباباً لا بدّ من حصولها .
وقد يجاب عنه ،بأن هذا لا يمنع من وجود المعجزات ،فلعلّ المسألة في الآية خاضعةٌ لهذا الأساس ،ويمكن أن تكون الغاية من ذلك الإيحاء النفسي لهم بأن الله هو مصدر النعم ،فإذا انحرفوا عن طاعته ،فإن النعمة تكون مهدّدة بالزوال ،في ما يمكن أن يحقّقه من أسباب زوالها بطريقة بأخرى ،فيمنع عنهم قطر السماء ،ويضعف قوّتهم ،وإذا أقبلوا عليه ورجعوا إليه فإنه يهيء لهم أسباب ما يحتاجونه ويريدونه ،في ما يهمّهم أمره .وهكذا تكون المسألة مسألة تنمية لروحية العقيدة في ما يتفّرع عنها من الجانب العملي ،الذي قد يغفل عنه الآخرون عندما يفقدون الإحساس بالإيمان ،فلا يشعرون بالارتباط بين الله وبين حركة النعم في حياتهم سلباً أو إيجاباً ،والله العالم .
هذا ما قاله هود ،فماذا كان جواب قومه ؟.