/م50
{ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} تقدم هذا الأمر بلفظه في الآية الثالثة من هذه السورة{ يرسل السماء عليكم مدرارا} هذا الجزاء الأول للأمر قبله ، والسماء هنا المطر أو السحاب الممطر ، وإرساله إمطاره ، والمدرار الكثير الدرور ، وأصله كثرة در اللبن يقال:درت الشاة تدر درا ودرورا فهي دارّ [ بغير هاء] أي كثر فيض لبنها ولعل نكتة التعبير به الإشارة إلى الكثرة النافعة ، فإن بعضه قد يكون ضارا وقد يكون عذابا ، وكانت بلادهم الأحقاف [ جمع حقف وهو الرمل المائل] شديدة الحاجة إلى المطر لزرعها وشجرها لأن الرمل يسرع إليه الجفاف إذا قل المطر ، وروي عن الضحاك أن الله أمسك عنهم المطر ثلاث سنين فأجدبت بلادهم وقحطت بسبب كفرهم ، ولا أدري من أين جاءت هذه الرواية ، ولكن يدل على شدة حاجتهم إلى المطر أنهم لما رأوا بادرة العذاب الذي أنذروا به استبشروا إذ ظنوا أنه سحاب يمطرهم .قال تعالى في سورة الأحقاف:{ فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين} [ الأحقاف:24 ، 25] .
{ ويزدكم قوة إلى قوتكم} هذا الجزاء الثاني للأمر وهو مما كانوا يطلبونه ويعنون به ويفخرون على الناس ، إذ كانوا قد بسط لهم في الأجسام وأعطوا القوة فيها كما تراه في قوله تعالى:{ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} [ فصلت:15 ، 16] وقوله:{ وإذا بطشتم بطشتم جبارين} [ الشعراء:130] فيا ليت دول أوروبا المستكبرة بقوتها التي يهدد بها بعضها بعضا تعتبر بهذا ، وأنى وهم أشد من قوم عاد كنودا ؟{ ولا تتولوا مجرمين} أي ولا تنصرفوا معرضين عما أدعوكم إليه مما يكون سببا لنعمة المعيشة وسعة الرزق وزيادة القوة وهي جزاء الاستقامة على الحق .