{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً} عندما يقوم الناس لرب العالمين ،وينطلق المحسنون المؤمنون المتقون إلى الجنة في رضوان الله ونعيمه ،جزاءً لأعمالهم الصالحة ،ويلتفت الكافرون ليروا أنفسهم في ضياعٍ وضلالٍ يؤديان بهم إلى النار ،فتتحول كل أعمالهم في الدنيا إلى حسراتٍ عليهم ،دون أن يملكوا تغيير أيّ شيء منها .
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فهو ،أي الله تعالى ،الذي يعلم صدق ما أقول مما ألهمني إيّاه ،وأوحى إليّ به ،فارجعوا إلى وجدانكم الصافي ،بعيداً عن كل تعقيدات الهوى والأنانية والبغضاء ،كما رجعت إلى صفاء الرؤية في وجداني ،في ما عشته من وحيه وقرآنه ،فستجدون ما أقوله حقاً ،وستملكون وضوح الرؤية للأشياء من خلال ذلك ،لأن المشكلة في كل هذا ،هي الكفر الذي تعيشونه أو تدعون إليه ،والذي يصيب تفكيركم بخلل كبير ،فلا تملكون معه إمكانية الوصول إلى الحقيقة .
وهذا الاستشهاد بالله ،يوحي بالثقة المطلقة التي يعيشها النبي( ص ) في وعيه للحق في رسالته وفي قوّة موقفه ،بحيث يستطيع أن يواجه العالم كله بشهادة الله له ،وبالارتكاز إلى رجوع كل إنسان إلى صفاء وجدانه بعيداً عن غشاوة الهوى وظلمة الكفر ليعرف الحقيقة من أقرب طريق .
والاستشهاد بالله أيضاً ،للذين يستلهمون وجدانه ،فإذا لم يكتفوا بذلك ،أو لم يريدوا استلهام المعرفة منه ،فثمة طريق آخر .{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} الذي أنزله الله على موسى وعيسى ،مما يشهد بصدق رسالته ،لأن الكتاب جاء مبشّراً به ومصدقاً لرسالته .
وقد يستوحي الإنسان من هذه الفقرة قوّة التحدّي وثبات الموقف ،عندما يضع أهل الكتاب الذين تخصّصوا في معرفته ،وجهاً لوجه أمام هذه الحقيقة ،ليخرجوا الكتاب أمام الناس ،ليكون الحجة الدامغة في صدق دعواه وصحة رسالته .