يقول:ويكذبك هؤلاء الكفار ويقولون:( لست مرسلا ) أي:ما أرسلك الله ، ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ) أي:حسبي الله ، وهو الشاهد علي وعليكم ، شاهد علي فيما بلغت عنه من الرسالة ، وشاهد عليكم أيها المكذبون فيما تفترونه من البهتان .
وقوله:( ومن عنده علم الكتاب ) قيل:نزلت في عبد الله بن سلام . قاله مجاهد .
وهذا القول غريب; لأن هذه الآية مكية ، وعبد الله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة . والأظهر في هذا ما قاله العوفي ، عن ابن عباس قال:هم من اليهود والنصارى .
وقال قتادة:منهم ابن سلام ، وسلمان ، وتميم الداري .
وقال مجاهد - في رواية - عنه:هو الله تعالى .
وكان سعيد بن جبير ينكر أن يكون المراد بها عبد الله بن سلام ، ويقول:هي مكية ، وكان يقرؤها:"ومن عنده علم الكتاب "، ويقول:من عند الله .
وكذا قرأها مجاهد والحسن البصري .
وقد روى ابن جرير من حديث ، هارون الأعور ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأها:""ومن عنده علم الكتاب "، ثم قال:لا أصل له من حديث الزهري عند الثقات .
قلت:وقد رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ، من طريق هارون بن موسى هذا ، عن سليمان بن أرقم - وهو ضعيف - عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه مرفوعا كذلك . ولا يثبت . والله أعلم
والصحيح في هذا:أن ) ومن عنده ) اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونعته في كتبهم المتقدمة ، من بشارات الأنبياء به ، كما قال تعالى:( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) الآية [ الأعراف:156 ، 157] وقال تعالى:( أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) الآية:[ الشعراء:197] . وأمثال ذلك مما فيه الإخبار عن علماء بني إسرائيل:أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة . وقد ورد في حديث الأحبار ، عن عبد الله بن سلام بأنه أسلم بمكة قبل الهجرة . قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب "دلائل النبوة "، وهو كتاب جليل:
حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني ، حدثنا عبدان بن أحمد ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة بن يوسف ، بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، أن عبد الله بن سلام قال لأحبار اليهود:إني أردت أن أجدد بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدا فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة ، فوافاهم وقد انصرفوا من الحج ، فوجد رسول الله ، بمنى ، والناس حوله ، فقام مع الناس ، فلما نظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"أنت عبد الله بن سلام ؟ "قال:قلت:نعم . قال:"ادن ". فدنوت منه ، قال:"أنشدك بالله يا عبد الله بن سلام ، أما تجدني في التوراة رسول الله ؟ "فقلت له:انعت ربنا . قال:فجاء جبريل حتى وقف بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له:( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) [ سورة الإخلاص] فقرأها علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ابن سلام:أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . ثم انصرف ابن سلام إلى المدينة فكتم إسلامه . فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وأنا فوق نخلة لي أجدها ، فألقيت نفسي ، فقالت أمي:[ لله] أنت ، لو كان موسى بن عمران ما كان لك أن تلقي نفسك من رأس النخلة . فقلت:والله لأني أسر بقدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من موسى بن عمران إذ بعث .
وهذا حديث غريب جدا .
آخر تفسير سورة الرعد ولله الحمد والمنة.