تأكيد الرسل على حقيقة وجود الله
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} ،إن قضية الشك في كل القضايا ،لا بد من أن تخضع لمعطياتٍ تحتويها داخلياً أو خارجياً فيما يتمثل فيه الغموض أو الالتباس الذي يحجب الوضوح عن الرؤية ويعقّد الحل للمشكلة ويبتعد بالفكرة إلى آفاق الضباب .وهذا ما يمكن ملاحظته في كثير من الأمور التي يختلف فيها الناس ،وتتعدّد فيها الاراء ،لتعدد وجوهها وإمكانات تفسيرها .ولكن هل يمكن أن يقترب الشك من إشراقة الشمس في رابعة النهار ،أو يلتقي الغموض بالصحو المنتشر في صفاء السماء ؟
بالتالي ، كيف يمكن أن يتحدث هؤلاء عن الشك في وجود الله أو في توحيده ،وهم يعيشون حضوره في وجودهم ،في ما يفكرون ،وفي ما يحسون ،وفي ما يمارسونه من شؤون الحياة .هذا الحضور الذي لا يغيب عن شيء ،ولا يغيب عنه شيء ولا يخلو منه شيء ،وهو الذي فطر السماوات والأرض بقدرته ،ففي كل ظاهرة إشراقةٌ لوجوده ،ودلالة على توحيده .إن المسألة لا تحتاج إلى تحليل فلسفي يضيع معه الإنسان في ضباب الفكر ودخانه ،بل يكفي لتأكيدها حسٌّ صافٍ يتطلع إلى ما حوله ،وفكر ينطلق في آفاق الكون للالتقاء بالحقيقة الإلهية في وعي الوجدان وصفاء الحس وإشراقة الفكر ،بعيداً عن كل شبهة وعن كل غموض .ولهذا فإن الشك الذي يحصل لدى البعض ،لا يعبر عن حالةٍ فكريةٍ ،بل يعبر عن عقدة مرضيّةٍ وانحراف .
إنه الله الحاضر في الوجدان الصافي ،الذي فطر السموات والأرض ،وفطر الإنسان بقدرته ،ولم يخلقه عبثاً ،بل أراد له أن يتحرك في نطاق المسؤولية ،فإذا انحرف عن خطها الأصيل في لحظات الضعف ،فإنه لا يهمله ولا يتركه ،بل يظل يرعاه ويدعوه ليؤكّد له رحمته ولطفه وعطفه ،{يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} في دعوتكم للسير على نهجه الأصيل الذي بعث به رسله ،لمنعكم بذلك عن المعصية ،قبل الوقوع فيها ،أو تخليصكم من نتائجها بعد الوقوع فيها ،بما تمثله المغفرة في الخط الأول ،من وقايةٍ للإنسان ،وبما تمثله في الخط الثاني من رحمةٍ له ،وإبعادٍ له عن الوقوع في الهلاك ،{وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ، ليترك لكم الفرصة للتراجع عن خط الانحراف ،وللابتعاد عن خط الكفر .وذلك هو منطق الرسل الذين يريدون لأممهم اللقاء بالله والقرب منه من أقصر طريق من موقع نعمة الوجود والحياة .فماذا كان جواب هؤلاء ؟هل ناقشوا الفكرة وحاوروا ؟
الواقع أن شيئاً من ذلك لم يحصل ،بل هربوا إلى زاوية أخرى ،يثيرون من خلالها الشك حول رسالة الرسل ،بطرحهم بعض المفاهيم القلقة حول شخصية الرسول ،الذي لا بد من أن يكون من طينةٍ غير طينة البشر ،كأن يكون من الملائكة أو من نوع آخر .
تمسك أقوام الرسل بعبادة الآلهة المزيفة
{قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا} ما هي ميزتكم علينا ليكون لكم دور الرسل ،ويكون لنا دور الأتباع ،وحديثكم عن الله وتوحيده وعبادته ليس سوى خطة تخريبيّة ضد المقدسات التي كان يتعبّد لها الآباء والأجداد ،لذا نعتبرها عدواناً علينا وعلى التاريخ الذي نحترمه ونتعاطف معه ونقدّسه .
{فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} يؤكد ما تدّعونه من نبوة تمثل الاتصال بالله الذي يعنيبطريقةٍ وبأخرىامتلاككم لقوةٍ خارقةٍ قادرة على تغيير مظاهر الكون حولها ،كما أن الله قادر على ذلك ،ولكننا لا نرى لكم مثل هذه القوّة وهذا السلطان ،فأنتم لا تقدمون إلاّ الكلام تدعوننا من خلاله إلى توحيد الله ونفي الشركاء عنه ،كأي شخص عاديّ يحمل دعوة إلى فكر معيّن .