{قَانِتاً}: مطيعاً .
{حَنِيفاً}: مستقيماً مائلاً عن الباطل إلى الحق .
خط إبراهيم الرسالي عنوان الرسالات بعده
يعود الحديث القرآني باستمرار إلى إبراهيم ،الذي ينتسب إليه الرسل ،عند تناوله التوحيد والمشركين والإسلام الذي كان إبراهيم يمثل الوجه المشرق في إعلان خطه وتجسيد معناه .
ويتحدث الله عن إبراهيم في هذا الإطار كنموذج حيّ للنبيّ المطيع لله الموحّد له ،الذي اختاره لرسالته وهداه إلى صراطٍ مستقيم ،وهو بذلك يتناول شخصيته في الدائرة الإنسانية المنفتحة على ساحة المسؤولية بين يدي الله ،دون الدخول في أجواء المبالغة التي تصور الشخصية الغامضة ذات الأسرار الخفية والآفاق النورانية السابحة في أجواء القدس ،وغير ذلك من الكلمات التي قد تثير في النفس الكثير من مشاعر التعظيم ،ولكنها لا تقدم معرفة تفصيلية بالنبي تملأ الوجدان وتغني الفكر .
إبراهيم كان أمة:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} .جاء في المفردات أن المراد من كونه أمّة ،أي: قائماً مقام جماعة في عبادة الله ،نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة ،وقيل: معناه الإمام المقتدى به ،وقيل: إنه كان أمةً منحصرةً في واحد مدّةً من الزمان لم يكن على الأرض موحّد يوحّد الله غيره .وعلى ضوء هذه التفاسير ،نلتقي بشخصية إبراهيم التي تتجمّع فيها خصائص الإنسان الذي تعيش شخصية الأمة فيه وتمتد منه في حركة رسالته ،وتلتقي في أجوائه الروحية ،روحية الجماعة في صورة الفرد ..وربما كان السرّ في ذلك ،أن الرساليين ،ولا سيما الأنبياء منهم ،لا ينطلقون من حالة ذاتية ،تتحول معها الذات إلى دائرةٍ مغلقةٍ تحجبهم عن الآخرين ،وتخنق في داخلهم روح الامتداد ،بل ينطلقون من الروح الرسالية التي تمتد في شخصيتهم ،لتحوي الأمة بأسرها في حركة الرسالة ،فيسقط الحاجز بين روح الفرد وروح الجماعة .
{قَانِتاً لِلَّهِ} ،يعيش الطاعة لله ،والعبادة له كطبيعةٍ ذاتيةٍ تملك الدوام والاستمرار ،{حَنِيفاً} ،مائلاً عن خط التطرف إلى دائرة الاعتدال في الإخلاص للخط المستقيم الذي يمثله التوحيد .
{وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ،بل عاش التوحيد في روحه وفكره ووجدانه ،كأفضل ما يكون التوحيد ،وأيّ توحيد أصفى وأنقى من الإسلام لله في كل شيء ،حتى إذا خُيِّر بين أن يطيع الله في ذبح ولده وبين أن يستسلم لعاطفته في الامتناع عن ذلك ،اختار الاستسلام لله على الاستسلام لعاطفته .