مظاهر الكون تدل على الوحدانية
{وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ} ،يختلف أسلوب القرآن في معالجة مسألة الشرك والتوحيد ،فهو لا يتحدث عنها هنا كمسألةٍ خاضعةٍ للأخذ والرّد ،بل كأمرٍ إلهيٍّ ،يفرض الفكرة بوصفها خطاً عملياً يمنع الناس من تجاوزه ،لأنه يمثل الحقيقة .ولعل سرّ القوة في ذلك ،هو أن المشركين لا ينكرون على الله صفة الألوهية ،وأنهم لا يعبدون الآلهة الأخرى التي يعطونها هذه الصفة ،إلا لقربها من الله ،أو لوجود بعض خصائص القوة فيها .وبهذا نعرف أن أسلوب الحسم يملك من ناحيةٍ إيحائيةٍ قوة تفوق ما يملكه الأسلوب الموضوعي في طرح الفكرة ،في مواجهة فكرةٍ أخرى ؛لأنهم إذا كانوا يعبدون تلك الآلهة لتقربهم إلى الله زلفى ،فمن البديهيّ أن يكون المنع الإلهي عن اتخاذ إله آخر ،مسقطاً لدعواهم وممارستهم بشكل حاسم .وهذا ما نستوحيه من الفقرة التأكيدية التالية{إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ} لتقرير حقيقة الوحدانية بأسلوبٍ مؤكّد ،ثم إطلاق التحذير بأسلوب تهديدي{فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} بما يعنيه الحصر من أمر بعدم الانقياد لأيّة قوةٍ أخرى توحي بالخوف أو بالرهبة ،وتدفع الناس إلى عبادتها من دون الله ،وحصر الانقياد بالله ؛لأنّه القوّة الوحيدة التي تسقط أمامها كل القوى ،مهما كانت عظيمة وكبيرة ومخيفة .