قوله تعالى:{وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} .
نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلهاً آخر معه ،وأخبرهم أن المعبود المستحق لأن يعبد وحده واحد ،ثم أمرهم أن يرهبوه أي يخافون وحده .لأنه هو الذي بيده الضر والنفع ،لا نافع ولا ضار سواه .
وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ؛كقوله:{فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِين وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [ الذاريات:50-51] ،وقوله:{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ فَأَلْقِيَاهُ في الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ ق:26] وقوله:{لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً} [ الإسراء: 22] ،وقوله:{وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَى في جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} [ الإسراء:39] .
وبين جل وعلا في مواضع أخر: استحالة تعدد الآلهة عقلاً ؛كقوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [ الأنبياء:22] ،وقوله:{وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [ المؤمنون: 91-92] وقوله:{قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذي الْعَرْشِ سَبِيلاً} [ الإسراء:32] .والآيات بعبادته وحده كثيرة جداً ،فلا نطيل بها الكلام .وقدم المفعول في قوله:{فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} للدلالة على الحصر .وقد تقرر في الأصول في مبحث «مفهوم المخالفة ،وفي المعاني في مبحث القصر »«أن تقديم المعمول من صيغ الحصر » أي خافون وحدي ولا تخافوا سواي .وهذا الحصر المشار إليه هنا بتقديم المعمول بينه جل وعلا في «مواضع أخر .كقوله:{فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} » [ المائدة:44] الآية ،وقوله:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ} [ الأحزاب:39] الآية .وقوله:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَواةَ وَءاتَى الزَّكَواةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} [ التوبة:18] الآية ،وقوله:{إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [ آل عمران:175] .إلى غير ذلك من الآيات .