مثل العبد المملوك
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} .
إن الله يضرب المثل من داخل حياة الناس ؛لينقلهممن خلالهإلى الفكرة التوحيدية التي تمثل مضمونه الفكري .وهو أسلوب عمليّ غايته تحريك فكر الإنسان للدخول في مقارنةٍ واعية ،بين ما يحيط به ،وبين الفكرة التي يريد له الداعية أن يعتقد بها .وفي هذا المثل نشاهد في أحد جانبي الصورة عبداً مملوكاً لا يملك حريته في نفسه ،ولا في عمله ،ولا يقدر على شيء مما يقدر عليه الآخرون .إنها صورة الإنسان المغلول اليد ،الفاقد للحرية ،الذي يعيش تحت سيطرة الآخرين ،فلا يملك أن ينفع أحداً بأيّ شيء من مواقع إرادته .ونشاهد في الجانب الآخر صورة الإنسان الحرّ الذي يملك الإمكانات الذاتية التي مكّنه الله منها في نفسه وفي ماله ،كما يملك حرية الحركة فيها ،ويعيش روحية العطاء في علاقته بالآخرين ،فهو ينفق مما لديه سرّاً وجهراً ،في كل موقعٍ من مواقع العطاء الذي يحتاج إليه الناس من حوله ،{هَلْ يَسْتَوُونَ} ؟هل يمكن للعقل المنفتح أن يساوي بين هذين الشخصين ،فيجعلهما في درجةٍ واحدةٍ ؟،وهل يمكن أن يستوي العجز مع القدرة ،والوجود الغني النافع مع الوجود الفقير الذي لا يمثل أيّ شيء ؟وإذا كان العقل يرفض مثل هذه المساواة في الوجود الإنساني ،فكيف يمكن للعقل أن يقبل المساواة بين المخلوق الذي لا يملك أي شيء من القدرة الذاتية ،حتى في ما يتعلق بنفسه ،فيجعله شريكاً لله ،وبين الخالق الذي يملك الوجود كله ،ويمنحه كل ألوان الحياة التي تستمر مفرداتها الحية والجامدة ،بنعمته وبقدرته .{الْحَمْدُ لِلَّهِ} ،أي: الثناء والمدح له ،في ما يتصف به من الصفات التي لا نهاية لها في مضمونها الإلهي ،ولا حدّ ،وليس لغيره مثل هذا الحمد ،بل كل حمدٍ لغيره فهو مستمد منه ؛لأن كل شيء من شؤون المخلوقين هو مخلوق له ،{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} حقيقة الوجود ،وما هي خصائص الخالق وخصائص المخلوق ؛لأنهم في غفلةٍ عن ذلك كله ؛لاستغراقهم داخل الأفكار الموروثة التي لا يتحركون خطوةً واحدةً بعيداً عنها في اتجاه فكرٍ جديد .وتلك هي مشكلة الذين لا يعلمون ،ولا يريدون أن يخرجوا من دائرة الجهل إلى دائرة العلم ،تحت تأثير العصبية العمياء التي تقدس الخطأ ،وتحترم الخرافة ،وتستسلم للجهل ؛لأنها لا تريد أن تخرج من حالة الاسترخاء الفكري إلى حالة الجهد الذي يبحث فيه الإنسان عن الجديد في العقيدة وفي الشريعة وفي الحياة .