{الْمَوَالِيَ}: المولى: أصله من الوليّ ،والموالي هم أقارب الرجل من جهة الأب ،وللمولى معان عديدة ،منها: الجار ،والصهر ،والحليف .
{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَاليَ مِن ورائي} من هم هؤلاء الموالي ؟قيل إنهم عمومته أو بنو عمّه ،وقيل الورثة .ولكن ما الذي كان يخافه منهم ؟ذكر البعض أن زكريا كان يخاف أن يرثوه ،كناية عن خوفه من أن يموت بلا عقب ،ولكن التعبير لا يسمح باستيحاء ذلك لأن الكلمة توحي بأنه يخاف منهم أمراً من الأمور التي تتعلق به وتتصل بساحته .وقد لا يكون من الطبيعي أن يكون مصدر خوفه التركة التي سيخلفها من بعده ،لتكون المسألة أنه يخافهم ويخاف أن يرثوها عنه ،لأن ذلك لا يتناسب مع ما يعلّقه زكريا على مسألة الاستجابة لطلبه من أهمية ،بالمستوى الذي يستعجل فيه تحقيق طلبه ذاك وهو الولد من صلبه في تلك السن المتقدمة من العمر ،التي تجعل من تحقق ذلك الطلب عبر الوسائل العادية أمراً مستحيلاً ،ولا سيما إذا عرفنا أن مسألة الرغبة في الولد بوصفه امتداداً في الوجود عبر الولد ،هي حاجةٌ غريزيّةٌ لم تسبِّب عدم إمكانية إشباعها أيَّة عقدة في حياة زكريا الأولى عندما كان في فترة الشباب ،بعد اكتشاف عقم امرأته .فلماذا لم يقدم ذلك الطلب بوقت مبكر ،ولماذا لم يحاول الزواج بغيرها إذا كان المانع منها لا منه ،وقد كان تعدد الزوجات أمراً مشروعاً لديهم كما نلاحظه في قصة إبراهيم( ع ) .
ربما يذكر البعض أن صلاح مريم ( ع ) وكرامة الله عليها في ما شاهده من أمرها جعله يحب الأولاد ليكون له منهم ما يماثل مريم ،في قربه من الله وكرامته عليه ،الأمر الذي أثار شعوره بالحرمان وأدى إلى الإلحاح بالدعاء للاستجابة إليه في طلبه .
ولكن هذا غير واضحٍ ،من خلال التعبير في الآية بأن المسألة هي خوفه من الموالي من بعده ،وتأكيده على صفات الولد الذي يطلبه ليكون مرضياً عند الله ،ما يوحي بأن هناك مهمةً تنتظره في احتواء الساحة التي كان يملأها زكريا ،ولا يريد لها أن تبقى فارغةً من بعده .
ولعل هذا وغيره يوحي إلينا بأن من الممكن أن يكون قد خاف أن يفسد هؤلاء ما استطاع الأنبياء والأوصياء من آل يعقوب إصلاحه من خلال عملهم على تنمية الروح الرسالية في الساحة والجماهير ،الأمر الذي يجعل انقطاع نسله موجباً لانقطاع هذه السلسلة المباركة من هذا التاريخ الرسالي المليء بالحركة والجهاد .
{وَكَانَتِ امرأتي عَاقِرًا} الأمر الذي يجعل المسألة صعبةً أو مستحيلة على مستوى الوضع الطبيعي ،فأراد أن يلتمس لنفسه الأمل من خلال قدرة الله ،{فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} بما تعنيه الكلمة من الشخص الذي يلي أمر الإنسان فيعينه في حياته ،ويخلفه بعد موته ،وربما كان في التعبير بكلمة:{مِن لَّدُنك} ما قد يوحي بأن المسألة لا تتصل بالحالة الطبيعية للسبب ،بل بالحالة الغيبية التي لا سبب فيها إلاّ للقدرة الإلهية المباشرة ،