وقوله:( وإني خفت الموالي من ورائي ):قرأ الأكثرون بنصب "الياء "من ( الموالي ) على أنه مفعول ، وعن الكسائي أنه سكن الياء ، كما قال الشاعر:
كأن أيديهن في القاع الفرق أيدي جوار يتعاطين الورق
وقال الآخر:
فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالدا
ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل
وقال مجاهد ، وقتادة ، والسدي:أراد بالموالي العصبة . وقال أبو صالح:الكلالة .
وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه كان يقرؤها:"وإني خفت الموالي من ورائي "بتشديد الفاء بمعنى:قلت عصباتي من بعدي .
وعلى القراءة الأولى ، وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا ، فسأل الله ولدا ، يكون نبيا من بعده ، ليسوسهم بنبوته وما يوحى إليه . فأجيب في ذلك ، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله ، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده أن يأنف من وراثة عصباته له ، ويسأل أن يكون له ولد ، فيحوز ميراثه دونه دونهم . هذا وجه .
الثاني:أنه لم يذكر أنه كان ذا مال ، بل كان نجارا يأكل من كسب يديه ، ومثل هذا لا يجمع مالا ، ولا سيما الأنبياء ، عليهم السلام ، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا .
الثالث:أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة "وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح:"نحن معشر الأنبياء لا نورث "وعلى هذا فتعين حمل قوله:( فهب لي من لدنك وليا يرثني ) على ميراث النبوة; ولهذا قال:( ويرث من آل يعقوب ) ، كما قال تعالى:( وورث سليمان داود ) [ النمل:16] أي:في النبوة; إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة ".