المسلمون وتحدّياتهم لليهود والنصارى:
في هذا الفصل الذي يبدأ به الجزء الثاني من القرآن الكريم ،يريد اللّه سبحانه أنْ يربي المسلمين في المجتمع الجديد الذي يعيشون فيه في المدينة ،على مواجهة التحدّيات الآتية من الآخرين حول بعض التشريعات الإسلامية الصادرة من رسول اللّه أو بعض الأوضاع العامّة التي كانت تواجه المسلمين آنذاك ،وتثير بعض التساؤل والحيرة واللغط ،ممّا قد يؤثر على تماسك الجماعة المسلمة ويفسح في المجال لمزيد من الارتباك والاهتزاز .
وقد تبرز أهمية هذا الاتجاه في الملاحظة التالية ،وهي أنَّ التحدّيات الكافرة قد تحدث في المراحل التي يعيش فيها المسلمون البساطة في الوعي والثقافة ،والسذاجة الروحية والفكرية في مواجهة المشاكل المستجدّة ،ولا سيما إذا كانت نظرتهم إلى تلك الفئات المتحدّية ،نظرة تتّسم بالاحترام الداخلي لمعلوماتهم العامّة ،من خلال الاعتقاد بأنهم يملكون المعرفة الشاملة بالكتاب المتضمن لأحكام اللّه وآياته ،باعتبارهم أهل الكتاب ،فقد يترك ذلك تأثيراً كبيراً على نظرتهم إلى القضايا المثارة أو المشاكل المطروحة ،عندما يواجهون ذلك كلّه من خلال العجز الفكري عن المناقشة والتحليل .
أمّا القضية التي انطلقت هذه الآيات لمعالجتها ،فقد شغلت المجتمع الإسلامي والمجتمع الكافر المضاد ،لأنها كانت صدمةً لهم جميعاً ،وذلك لأنَّ المسلمين كانوا يتجهون في عباداتهم منذ بداية الدعوة ،إلى بيت المقدس الذي يتجه إليه اليهود والنصارى من أهل الكتاب ،فجاء التشريع الجديد لينسخ ذلك ويحوّل القبلة إلى الكعبة ،فأدّى ذلك إلى إثارة أهل الكتاب لأنهم كانوا يجدون في صلاة المسلمين إلى بيت المقدس نوعاً من أنواع التبعية العملية لهم ،وسبيلاً من سُبل إضلال البسطاء من المسلمين بالإيحاء إليهم بأنَّ ذلك يدل على أنَّ الحقّ معهم ،كما أنهم اعتبروه خسارةً لأحد مواقعهم العملية التي تؤكد أصالتهم ومواقعهم المتقدّمة من الكتاب والنبوّات .
أمّا المسلمون فقد عاشوا صدمة ذاتية ،لاشتمال ذلك على أسلوب جديد غير مألوف لديهم في التعامل مع التشريع الذي ساروا عليه مدّة طويلة ،بإلزامهم بالوقوف منه موقف الرفض العملي الذي يستبدل موقفاً بموقف ،فيعتبر السير على التشريععلى أساس ذلكانحرافاً عن الخطّ الصحيح ،مما لم يكن لهم سابق معرفةٍ به ،ولم يكونوا في إعداد نفسي له ،بل جاء مفاجأةً كبيرةً لهم ،وصدمةً نفسية إيحائيةً من خلال أساليب اليهود الذين حاولوا أن يثيروا أمامهم المشكلة الفكرية في النسخ ،فإذا كان حكم اللّه هو التوجه إلى بيت المقدس ،فمعنى ذلك أنَّه الحقّ وأنّ غيره هو الباطل ،فكيف يتغيّر حكم اللّه إلى شيء آخر لتنقلب النظرة إليه في النظرة إلى الحقّ والباطل في القضية نفسها ،وكيف يمكن أن ينسب ذلك إلى اللّه الحكيم في كلّ ما يفعله من أفعال وما يشرِّعه من أحكام ما دامت المصلحة لازمة للأشياء وما دام الحكم تابعاً للمصلحة التي تمليه ؟!ولم يكن لدى المسلمين من المعرفة بأسس التشريع وطبيعة مساره ما يمكِّنهم من الدخول في جدل أو مناقشة حول ذلك مع هؤلاء ..وهكذا عاش المسلمون جواً من الريب والحيرة ،وبدأوا يواجهون حالةً متوترة من الضوضاء والقيل والقال ،بالمستوى الذي تحوّل الموقف فيه إلى عُقدة كبيرة تهدّد المسيرة الإسلامية في ذلك المجتمع .
وكان القرآن بالمرصاد لذلك ؛فقد خاض المعركة بكلّ الأساليب الضرورية التي يحتاجها الموقف ،سواء في ذلك الأساليب الفكرية التي تواجه طبيعة التشريع ،أو الأساليب العاطفية التي تخاطب مشاعر المسلمين وعواطفهم ،أو الأساليب العملية التي تواجه المسلمين بالواقع الداخلي لأهل الكتاب في ما يمارسونه من أساليب اللف والدوران والتضليل ضدّ المسلمين ،وتعرّفهم الموقع الذي يريد اللّه للأمّة أن تقفه في الكون في قيادة العالم إلى الشاطىء الأمين ،ما يجعل من القضية مدخلاً قرآنياً لتربية المجتمع المسلم على مواجهة التحدّيات بالفكر والعاطفة والواقعية ،ولتأكيد الخطّ القرآني الذي لا يترك المسلمين في حَيرة أمام علامات الاستفهام التي تثور في وجدانهم حول قضايا العقيدة والتشريع ،بل يعمل على أن يجد لهم الأجوبة التي ترضي قناعاتهم الفكرية ،وتمنحهم الشعور بالرضى والاطمئنان والثقة بما يعتقدون ويعملون ،من أجل تركيز هذا التشريع في وعي النّاس ،وتربية المجتمع المسلم على الانطلاق إلى الحياة من خلال القواعد الثابتة المنطلقة من أمر اللّه ونهيه في كلّ ما يريد اللّه أن يغيره أو يبدله من تشريع أو غيره ،ليعي المجتمع من خلال ذلك طبيعة علاقته باللّه وحدودها ،ويعرف أنَّ المسلم لا يملك أمام كلمة اللّه أيّة إرادة تقوده إلى الرفض أو التشكيك ؛بل هو التسليم المطلق في كلّ شيء كما توحي به الآية الكريمة:] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً[ [ الأحزاب:36] .
وقد حدّثنا اللّه في هذا الفصل عن الكلمات التي يمكن أن تقال ،وعن التصوّرات التي ينبغي للمسلم أن يعيشها أمام تلك الكلمات ،وعن طبيعة هذا التبدل في التشريع ،في حكمة اللّه ،وفي نتائجه العملية على سير الدعوة ،وعن التصوّرات والاهتمامات النفسية التي كانت تشغل بال النبيّ محمَّد ( ص ) قبل ذلك ،وعن الدور الكبير الذي أعدّه اللّه لهذه الأمّة في حملها للرسالة وشهادتها على النّاس وشهادة الرسول عليها أمام اللّه .
وفي هذا الجوّ المتنوّع ،ينطلق القرآن ليربط المسلمين بالخطّ الأصيل الذي يسيرون عليه ،فلا يتزحزحون ولا ينحرفون عن الخطّ الإسلامي الحقّ إلى خطوط الآخرين ،بحجّة أنَّ يجلبوا الآخرين إلى صفوفهم ،مهما كانت نسبة الانحراف ضئيلة ،وذلك بالعمل على الانطلاق بعيداً في تحليل واقع المجتمع المضادّ بالمقارنة مع الواقع الذي يعيشه النبيّ والمسلمون إزاء عقيدتهم ،وتحليل طبيعة العلاقة التي تشدّهم إلى اللّه وتربطهم به ،فهو الذي يجب أن يخشوه ويلجأوا إليه ويطلبوا رضاه .
ثُمَّ يتابع التأكيد في تكرار ملحوظ على المسلمين بالالتزام بهذا التشريع ،ليكون ذلك رمزاً لوحدتهم في الموقف والشعور ،لأنه يمثّل القاعدة الروحية التي يرتبطون بها ويتجهون إليها ،وهي هذا البيت الذي انطلق بالتاريخ الديني الرسالي الأول من أجل أن تبدأ الرسالة منه من جديد في عهدها المحمَّدي الجديد .
هذه هي بعض الأفكار التي نقدّمها أمام الآيات الكريمة في هذا الفصل ،كمقدمة للمزيد من الشرح والتفصيل .
السفهاء يثيرون المشكلة:
تصوّر الآية الأولى الحالة النفسية والذهنية التي كان يعيشها فريق من النّاس من أهل الكتاب إزاء هذا التشريع الجديد ،مما يدفعهم إلى أن يطرحوا مثل هذا التساؤل في مرارة وإنكار ...وفي ذلك إيحاء بانخفاض المستوى الثقافي الذي يمكنهم من خلاله مواجهة الأمور التشريعية من جانبها الفكري على أساس الركائز الثابتة التي تقدّم عليها قضايا التشريع .
وقد صاغت الآية الفكرة المضادة بصيغة التساؤل الذي يشوبه الاعتراض والإنكار ،كأسلوب من أساليب إثارة الجوّ ضدّ التشريع بشكل بريء ،فهي لا تطرح الفكرة بصورة الرفض المطلق لتوحي للآخرين بالموقف المضاد الذي تستثيره حالة المعارضة ،بل تطرحها بصورة السؤال لتستطيع إثارة الشك والبلبلة في أذهان المسلمين ،تماماً كأية قضية من القضايا التي يدور فيها الجدل من أجل الوصول إلى نتيجة حاسمة ،في أسلوب إيحائي بإخراج الموضوع من جوّ القداسة التي تفرض الالتزام والتسليم المطلق .
وهذا ما نواجهه في كثير من الأساليب التي يستعملها الأعداء ضدّ الأحكام الشرعية من أجل وضعها في مواقع الشك والريب ،وذلك بإثارة الجوانب السطحية التي تبتعد بالإنسان عن التعمّق في خلفيات التشريع البعيدة المدى ،ليكون ذلك بداية للانفتاح على حالات الشك التي تبعد المسلم تدريجياً عن روحية التسليم المطلق للّه ...
وقد لا يظهر الجانب السلبي في هذا العرض الاستفهامي ،باعتبار أنَّ الإسلام لم يتنكر للشك كأساس للوصول إلى الحقيقة ،ولم يواجه التساؤلات التي كان المسلمون يثيرونها أمام بعض الأحكام الشرعية بالردّ والرفض العنيف ،بل عمل على أن يواجه الإنسانُ ،كافراً أو مؤمناً ،الفكرة العقيدية والفرعية ،من موقع التساؤل البريء ،لتتكون القناعة الفكرية في العقيدة والتشريع على أساس متين .
] سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النّاس[ الذين لا يفكرون في الأمور بطريقةٍ متوازنة ،ولا يميّزون بين الوحي الإلهي في تشريعه المنطلق من المصلحة التي تتغيّر حسب تغيّر الأزمان والأحوال ،ما يجعل الشيء ذا مصلحة اليوم بلحاظ عنوان أو ظرفٍ معين ،ولا يكون ذا مصلحة في يوم آخر بلحاظ عنوان جديد أو ظرف طارىء ؛وبين الرغبة الذاتية التي تتحرّك من موقع الأهواء التي لا تخضع لقاعدة .
] مَا وَلاّهمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا[ في صلاتهم ،فكيف تتغيّر القبلة بين وقت وآخر ،وكيف يتبدل التشريع الإلهي إذا كانوا ينسبون القبلة إلى وحي اللّه ،وهل يمكن أن يبدّل اللّه شريعته وهو العالم بحقائق الأشياء بعيداً عن كلّ الحالات الطارئة ؟فإذا كان التوجه إلى الكعبة مصلحة ،فكيف كان بيت المقدس قبلةً في التشريع الأول ؟
ولكنَّنا لو دقّقنا في هذا الموقف ،لاكتشفنا الاتجاه السلبي الذي يتحرّك من خلاله السؤال ،ولرأينا أنَّ السلبية تكمن في إعطاء الموقف جوّاً من الإثارة التي تدفع للاعتراض ،بالإضافة إلى أنه يسيء إلى الجانب التربوي الذي ترتكز عليه الشخصية الإسلامية التي تعتبر تكوين الأساس العقيدي منطلقاً للالتزام الفكري والعملي بالتشريع ،باعتباره صادراً من خالق الإنسان الذي يعرف ما يصلحه وما يفسده أكثر من الإنسان نفسه ،وبذلك كانت الفكرة المطروحة إسلامياً لمن يحاول فهم الأحكام الشرعية: التزم واعمل ثُمَّ ناقش واسأل .
إنهم يتساءلون عن الأساس الذي صرف المسلمين عن قبلتهم ،ويثيرون أمام هذا التساؤل نقطتين:
الأولى: إنهم يوجهون الحديث إلى المسلمين كما لو كانت القضية تعني سلوكاً شخصياً لهم .
الثانية: إنهم لا يحاولون التدبّر في طبيعة التشريع الأول والثاني ،ليجدوا أنهما ينطلقان من اللّه في تعيين أيّة جهةٍ من الجهات ليتوجه النّاس إليها في عبادتهم ،وليستا منطلقتين من خصوصيةٍ ذاتية لهذه الجهة أو تلك ليمتنع الانتقال من جهة إلى جهة على أساس ذلك .
وعلى ضوء ذلك ،فلا مجال لأيّ اعتراض ؛فإنَّ اللّه يملك المشرق والمغرب معاً وليس له اختصاص بجهةٍ دون جهة ،فله أن يعيّن المشرق لنتوجه إليه ،وله أن يعيّن المغرب لنتوجه إليه ،وذلك ضمن الخطّة التي يضعها للإنسان في تنظيم عباداته ومعاملاته ،مما يمكن أن يختلف فيه وجه الحكمة والمصلحة حسب اختلاف الخطّة الموضوعة ،فقد يكون في الاتجاه إلى جهةٍ ما مصلحة في داخل خطّة معينة ،وقد لا يكون فيه مصلحة بلحاظ خطّة أخرى ..
] قُل للّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ[ فهو الذي يوجه عباده إلى هذه الجهة أو تلك ،ليمنحها القداسة من خلال ذلك ،فلا قداسة لجهةٍ دون جهة بعيداً عنه ،وهو الذي يعلم صلاح عباده في كلّ مرحلةٍ من المراحل ،فيوجب عليهم شيئاً في وقت ليبدّله بشيء آخر في وقت آخر ،تبعاً للمصالح التي تتبدل مع التغيرات الظرفية المتنوّعة ،وإذا كان بيت المقدس متميّزاً بأنه موطن الأنبياء ،فإنَّ الكعبة هي أول بيت وضع للنّاس بأمر اللّه نبيّه إبراهيم ( ع ) ببنائه وبدعوة النّاس إليه للحج ،فقد تتعلّق حكمته بإبقاء بيت المقدس قبلة للمسلمين كما كان قبلة لغيرهم في الماضي ،للتدليل على اعتراف الدِّين الجديد بأهمية هذا المكان المقدس في وعي المسلمين ،ليؤكد هذا التعبير في خطّهم الفكري ،ثُمَّ يأتي التشريع الجديد ليجعل الكعبة قبلةً جديدةً من أجل تأكيد الخصائص العبادية التي تختزنها في وجودها القدسي ،بالأمر الإلهي المباشر الصادر إلى خليله إبراهيم مما لا تملكه القبلة القديمة .
وخلاصة القضية ،أنَّ على الإنسان أن يعرف أنَّ اللّه لا يريد له إلاَّ الخير ولا يأمره إلاَّ بالسير على الخطّ المستقيم ،في ما يهديه إليه من تشريعات وأحكام ،مما يقتضيه التسليم والإذعان المطلق للّه ،فإنَّ اللّه الذي يملك المشرق والمغرب هو الذي يختار لعباده ما يصلحهم] يَهْدِي مَن يَشَآءُ[ منهم] إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[،وهو الدِّين الحقّ الذي يؤدي بالنّاس إلى مواقع رضاه وإلى الجنّة الموعودة لديه .
لماذا وصفهم القرآن بالسفهاء ؟:
وقد قدّم القرآن أمام عرض الفكرة سؤالاً وجواباً ،صورةً عن طبيعة تكوينهم الداخلي ،ما يوحي بأنَّ الفكرة لم تنطلق من أساس مشكلة فكرية لتبعث على الاحترام ،بل انطلقت من واقع ذاتي منحرف يواجه فيه هؤلاء كلّ القضايا من موقع السفه الذي يعني فقدان الميزان الصحيح ،الذي يستطيع الإنسان من خلاله أن يَزِنَ الأمور ويحاكمها في جانب الفكرة والممارسة معاً ،ما يبعث على النظر إلى الفكرة بعيداً عن الاحترام .
وقد يثور أمامنا سؤال:
إنَّ استباق المناقشة بإعطاء مثل هذه الصفة يبعد الموقف عن الحياد الفكري الذي يفرضه الأسلوب العلمي في الحوار والمناقشة ،لأنه يخلق جوّاً نفسياً مثيراً ضدّ أصحاب الفكرة في ما يشبه أسلوب القهر على طريقة حرب الأعصاب .
والجواب عن ذلك ،أنَّ الموقف ليس موقف مواجهة المشكلة من موقع فكري فحسب ،بل الموقف هو موقف إبعاد هؤلاء عن التدخل في حياة المجتمع المسلم من خلال الخطّة المرسومة لديهم في زلزلة المسلمين وإبعادهم عن الخطّ المستقيم ،ما يستدعي العمل على إبعاد المسلمين عنهم نفسياً قبل إبعادهم عنهم فكرياً ،ليواجهوا الموقف في المستقبل من موقع النظرة غير المحترمة عندهم ،ليبتعد الجوّ بذلك عن الاهتزاز والارتباك ،وقد لاحظنا في هذا النطاق الأسلوب الأمثل الذي يركز على تصوير طبيعة هؤلاء الذين يثيرون السؤال بصورةٍ غير محترمة ،ليبعد الفكرة عن جانب التأثير الشخصي بالجماعة ،إلى مواجهة الفكرة في نطاقها الفكري .
أمّا كيف وصفهم القرآن بالسفهاء ،فلأنَّ شخصية السفيه تتمثّل في عدم استقامة العقل وعدم توازن الرأي ،ما يجعل التصرّفات العملية في الفكر والعلاقة والمعاملة بعيدةً عن الاستقامة والاتّزان ،ولا شك في أنَّ الانحراف عن خطّ اللّه الذي يؤدي إلى سلامة المصير في الدنيا والآخرة ،لا يمثّل الاستقامة في أيّ خطّ من خطوطها ،بل هوعلى العكس من ذلكيمثّل اختيار الخطّ الملتوي الذي يضر بالإنسان في كلّ مجالاته .
الأسلوب القرآني في صراعنا الحاضر:
وقد نشعر بالحاجة إلى اعتماد هذا الأسلوب في الواقع العملي ،الذي يخوض فيه الإسلام صراع التحدّيات الفكرية والعملية مع التيارات الكافرة والمنحرفة ،عندما تلجأ إلى مواجهة الإسلام بأساليب الإثارة ،التي تعمل على خداع المسلمين وإضلالهم وإبعادهم عن الخطّ المستقيم ،فنحاول أن نواجه الموقف كما واجهه القرآن ،بالتركيز على الصفات الواقعية التي تكشف حقيقتهم ،وتبعد المسلمين عن التأثر بهم والخضوع لأساليبهم ،ثُمَّ مواجهة القضية من جانبها الفكري بعيداً عن التأثيرات الذاتية الضاغطة .ولا بُدَّ لناونحن نثير هذا اللون من الأسلوبمن التدقيق جيداً في طبيعة الواقع الموضوعي الذي تنطلق فيه المشكلة وتتحرّك فيه عمليات الإثارة ،لئلا نخطىء في استعماله في ما لا ينسجم مع المصلحة الإسلامية العليا في الدعوة والعمل .