] وَإِذَا تَوَلَّى[ ووصل إلى الموقع القيادي الذي يطمح إليه من أجل الحصول على النتائج المعنوية والمادية لحساباته الخاصة ،واكتسب ثقة النّاس به وتأييدهم له ،فأصبح رمزاً دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً يُشار إليه بالبنان ،ويجري النّاس من خلفه تابعين له ،] سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ[ بما يثيره في المجتمع من المشاكل والمنازعات والوسائل المدمّرة التي تحطم كلّ ما في الحياة من ثروة ،ومن بشر ...وينطلق في المجالات التي تفسد واقع النّاس الأخلاقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي ،ويمتد في طغيانه بعيداً عن رضا اللّه ومحبته .
وقد اختلف المفسرون في كلمة] وَإِذَا تَوَلَّى[ فقال بعضهم: إنها الإعراض والإدبار في مقابل إقباله على النّاس بكلامه المعسول ،وقال بعضهم: إنها الولاية ،أي: إذا كان والياً فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل ،كما يقول صاحب الكشاف .ولعلّه الأقرب ،لأنَّ تلك الصفات توحي بالسلطة الكبيرة التي تمكنه من ذلك ،وتبرر له الاستعلاء على الوعظ والنقد والأمر بالتقوى ...واللّه العالم بأسرار آياته .
] وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ[ فإنه سبحانه يريد للحياة أن تعيش في أجواء الخير والصلاح التي تنمي خيراتها ،وتطوّر مجتمعاتها ،وترتفع فيها بالإنسان إلى الدرجات العلى في عقله وروحه وحركته .ولذلك أرسل رسله بالرسالات المتنوّعة التي تخطّط للحياة الإنسانية ،لتسير في الاتجاه الصحيح الذي ينسجم مع عناصر الحياة المودعة في شخصية الإنسان ،وفي حركة السنن الكونية في الحياة .وربما كان هذا ما استوحى منه الإمام الصادق ( ع )في ما روي عنهأنَّ المراد بالحرث هنا الدِّين ،وبالنسل الإنسان ؛باعتبار أنَّ اللّه زرع الدِّين في نظام الإنسان في الحياة ،تماماً كما هو الزرع في نظام الأرض ؛الأمر الذي جعل من هذا النموذج الذي يتولى المسؤوليات العامة في المجتمع ،مشكلة للنّاس في منع انطلاقة الدِّين في خطّ الاستقامة الذي يؤدي إلى الصلاح ،وذلك هو هلاك الحرث الاجتماعي في نظام الحياة ،على سبيل الاستيحاء لا على سبيل المعنى .واللّه العالم .
وقد تكون كلمة] وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ[ واردة على نحو الكناية ،لأنَّ الطغاة المنافقين الذين يتولون أمور الأمّة يعملون على إبادة حضارتها الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية ،بحيث لا تبقى هناك أية قوّة لأي وجود ،ولا أية ثروة لأية جماعة ؛فكأنه يهلك الحرث والنسل ،لأنه يهلك الواقع السليم كلّه .وهذه عبارة تتكرر في الأساليب الأدبية في مقام التعبير عن الإنسان الذي يخرّب الواقع كلّه .