{وَأَلْقِ عَصَاكَ} وألقاها من دون أن يعرف كيف ولماذا هذا الأمر الغريب ،{فَلَمَّا رآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ} مما كان يتخيله من صورة الجان الذي يتحرك ويتلوى ويرتفع ويهبط{وَلَّى مُدْبِراً} واستمر في هروبه من هذه الحية الصغيرة السريعة الحركة ،التي فسّر بها بعضٌ كلمة الجان ،{وَلَمْ يُعَقِّبْ} ولم يعد إلى مكانه بما يتمثل بالخوف الغريزيّ الذي يستسلم إليه الإنسان عند وجود ما يثيره ،بشكلٍ عفويٍّ ،وبالحيرة القلقة أمام هذا الحدث المفاجىء المرعب ،{يا مُوسَى لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} فأنت هنا أمام الله ولم يحدث ما حدث لك إلا بأمره ،فكيف تخاف وأنت في أمنه وقد أعطاك الدور الكبير في حياتك وحياة الناس ،وهو الرسالة الإِلهية التي أرادك أن تبلغها للناس ؟وإذا كان الأمر كذلك فكيف يخاف لديه المرسلون ،وهو الذي تكفل لهم بالأمن والنصرة والتأييد ؟وكان هذا أوّل إعلانٍ للرسالة بشكلٍ عفويٍّ غير مباشر .
وهكذا يؤكد لنا القرآن نقاط الضعف البشري لدى الأنبياء بشكل طبيعيّ غريزي ،ثم يتدخل الوحي ليثبِّت النبيّ في وعيه لعناصر القوّة في ذاته ،بما يحشده الله من تعاليمه ،وما يفيض عليه من ألطافه ،وما يثيره النبي في تجربته من إرادته .
وقد أوحى الله إلى موسى من خلال هذه الآية كيف يمكن له أن يحصل على الطمأنينة الداخلية في نفسه من كل عوامل الخوف التي تتحرك في شخصيته في الداخل ،أمام مظاهر التخويف من الخارج ،ليعرف أن الله قد تكفّل له بالرعاية والأمن ،فلا مجال لأيِّ شيء من بشر أو غير بشر أن يضغط على نفسه بالتخويف والترهيب ،لأنه لن يترك أيّ تأثير ضدّه أمام رعاية الله له