[ الذين يذكرون اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم] لأنَّهم يرونه في كلّ ظاهرة خارج نطاق الجسم ،وفي كلّ حركة من حركات الجسد في داخله وخارجه ،فلا يغيب عنهم لحظةً واحدة ،لأنَّه يملك عليهم الحسّ والشعور ...وإذا ذكروا اللّه في ذلك كلّه ،فإنَّ هذا الذكر لا يتحوّل إلى حالةٍ صوفيّة متشنجة تجعل الإنسان يغرق في الذات في مثل الغيبوبة الروحية التي تربطه باللاوعي ،بل يتحوّل إلى وعي كامل للكون من خلال اللّه ؛فإنَّ اللّه القادر العليم الحكيم لا يمكن أن يخلق شيئاً عبثاً ،فكلّ شيء عنده خاضع لحكمة خفيّة أو ظاهرة .إنَّها الفكرة الإجماليّة التي تحكم التصوّر الإنساني في شخصية المؤمن .
ثُمَّ تبدأ التفاصيل الدقيقة تباعاً في حركة الفكر الذي يُلاحق الظاهرة في حركة قوانين الحياة ،[ ويتفكَّرون في خلق السَّماوات والأرض ربَّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك] فقد انطلقت الحياة من خلال الحكمة في ظواهرها الخاضعة للنظام الكوني الشامل .وهكذا أرادت للإنسان أن يتحرّك على أساس الحكمة في أقواله وأفعاله ،باعتباره المظهر الحيّ المتحرّك للحياة النابضة بالروح ،لتتكامل الحياة في ظواهرها الكونية والإنسانية ،فتنطلق من قاعدة النظام الكامل الحكيم ...
وإذا كان الإنسان خاضعاً للنظام في الحياة من خلال ما أرادته له من سلوك عمليّ ،وما وعدته من مصير مشرق في حالة الانسجام مع خطّ الطاعة ،أو مصير مظلم في حالة التمرّد في خطّ المعصية ؛فإنَّنا نحن الذين يؤمنون بك ويرجون رضاك ويخافون عقابك ،ندعوك بأن توفّقنا للسير في خطّ رضاك لنحصل على النجاة من النَّار ،[ فقنا عذاب النَّار] التي تمثِّل الخزي كلّ الخزي للإنسان في ما تمثِّله من أوضاع مهينة يتحوّل فيها إلى كمية مهملة ،وشيء حقير ،كأيّة حجارةٍ مرميةٍ في أيّة زاويةٍ من زوايا جهنم ؛في الوقت الذي يواجه فيه الذلّ والحقارة في صورة العذاب الذي يتعرّض له .