{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}
المفردات:
الذين يذكرون الله قياما: في صلاتهم .
وقعودا: في تشهدهم وفي غير صلاتهم .
وعلى جنوبهم: نياما وفي حالات ابن آدم كلها .
ما خلقت هذا باطلا: عبثا ولا لعبا: إلا لأمر عظيم .
التفسير:
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم .فهم يستغرقون في تذكر خالقهم ،ويذكرونه في جميع أحوالهم ،وإنما خص الأحوال المذكورة لأنها الأحوال المعهودة التي لا يخلو عنها الإنسان غالبا وليس ذلك لتخصيص الذكر بها154 .
وقيل المراد بالذكر هنا الصلاة ،كما ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال:"صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك "155 .
ويتفكرون في خلق السموات والأرض .يتأملون في كتاب الكون وفي يد الله المبدعة وهي تحركه وتقلب صفحاته وتبدع نظامه وهو أمر لا يتيسر إلا لأصحاب الفطرة السليمة ،وفي لحظة تمثل صفاء القلبوشفافية الروح وتفتح الإدراك واستعداده للتلقي ،كما تمثل الاستجابة والتأثير والانطباع ...إنها لحظة العبادة وهي بهذا الوصف لحظة اتصال ولحظة استقبال .
فلا عجب ان يكون الاستعداد فيها لإدراك الآيات الكونية أكبر ،وان يكون مجرد التفكير في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ،ملهما للحقيقة الكامنة فيها ؟،ولإدراك انها لم تخلق عبثا ولا باطلا .
وقد ذم الله الغافلين ومدح أهل الفكر والعبادة بالقلب والتأمل القائلين: ربنا ما خلقت هذاباطلا .أي ما خلقت هذا الخلق عبثا بل بالحق لتجزي الذين أساءوا بما عملوا وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى قال تعالى:{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ،فتعالى الله والملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ( المؤمنون 115-116 ) .
سبحانك .تنزهت عن ان تخلق هذا الكون باطلا .
سبحانك .تنزهت عن العبث وان تخلق شيئا بغير حكمة .
فقنا عذاب النار .إن قلوبهم المتدبرة المستبصرة انطلقت مع ألسنتهم بذلك الدعاء الطويل ،الخاشع الواجف الراجف المنيب ،ذي النغم العذب والإيقاع المنساب ،والحرارة البادية في المقاطع والأنغام .
وقد رأيت أدبهم في الدعاء فقد بدأوا بتسبيحالله وتنزيههثم عقبوا بالدعاء وفي الحديث الصحيح: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه سبحانه ،والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم يدعو بعد بماشاء رواه أبو داود156 .
واعلم انه لما حكى تعالى عن هؤلاء العباد المخلصين أن ألسنتهم مستغرقة بذكر الله تعالى ،وأبدانهم في طاعة الله وقلوبهم في التفكر في دلائل عظمة الله ذكر انهم مع هذه الطاعات يطلبون من الله الوقاية من عذاب النار ،ويسألونه المغفرة لذنوبهم ،والنجاة يوم القيامة .