{فآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} .هل المراد به القريب من الأرحام ،في ما فرض الله له ،أم أن المراد به صاحب القربى للنبيّ( ص ) باعتبار أن الخطاب له ،وذلك في ما فرض الله له من الخمس ؟؟وربما فسّر الحق بغير ذلك ،كما روى في مجمع البيان في قوله تعالى:{فآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} عن أبي سعيد الخدري وغيره أنه لما نزلت هذه الآية على النبي( ص ) ،أعطى فاطمة2 فدكاً وسلّمه إليها ،وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله( ع ) [ 1] .
وقد ذكر صاحب تفسير الميزان أن الآية إذا كانت مدنيَّة ،فمن الممكن أو المتعين ،أن يكون المراد به قرابة النبي( ص ) ،أمَّا إذا كانت مكية ،فإن المراد به قرابة الأرحام[ 2] .
ولا بد للمفسّر في مثل هذه الكلمات من أن يواجه الكلمة بالمعنى المطلق الشامل الذي يمتد في حياة كل مكلف ،انسجاماً مع كلمة المسكين وابن السبيل الممتدة في الحياة العامة .هذا من ناحية طبيعة الكلمة ،ولكن لا بدّ من رفع اليد عن العموم إلى الخصوص إذا قام هناك دليل معتبر على تخصيصه بقرابة النبي( ص ) مما يحتاج الحديث فيه إلى مجالٍ آخر في الأبحاث الفقهية .
التصدق على المسكين
{وَالْمِسْكِينَ} وهو الفقير الذي لا يملك مؤونة سنته قوّةً وفعلاً ،وقد يراد به الإنسان المسحوق الذي قد يكون أسوأ حالاً من ذلك ،{وَابْنَ السَّبِيلِ} المسافر الذي انقطع في سفره فاحتاج إلى المعونة العامة لفقدانه للوسائل الخاصة التي يستطيع بها تدبير حاله بشكلٍ طبيعيٍّ ،{ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} لأن الإنفاق على أمثال هؤلاء يحمل في داخله رضا الله الذي يحب الناس الذين يشعرون بالمسؤولية الروحية والمادية تجاه الذين يعانون الحرمان في حياتهم ،ويرتبطون بالوشائج القريبة في علاقاتهم ،لأنهم ينطلقون في ذلك من روحية العطاء وصفاء الإنسانية ،وانفتاح الروح على الخير المتدفق من وحي الله ،في جوٍّ إيمانيٍّ يتحرك في كل مواقعه وخطواته من خلال رضا الله ،ولا شيء غير رضا الله .
{وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الذين يعيشون الاستقامة في خططهم العملية ،فيجعلون حياتهم تتحرك بالخير ،وتتجه نحو الله في كل مواقع حبّه .