{وَقَالُواْ أآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} فلماذا تتحدث عنه وتعظّمه ،ولا تتحدث عن آلهتنا ،فإذا كانت في خلقه وفي شخصيته بعض الأسرار ،فإننا نعتقد أن لألهتنا مثل هذه الأسرار التي تربطها بالله ،فتستطيع أن تقرّبنا إلى الله ،فنحن لا نتحدث عن آلهةٍ خالقةٍ إذا كنت تنفي عنه صفة الألوهية بهذا المعنى ...وهكذا كانت هذه الكلمة الاستفهامية الواردة على سبيل الإِنكار ،مدخلاً للإِثارة ،التي هي الأسلوب الذي يستعملونه في مواجهة الرسالة ،فهم لا يريدون الدخول في حوارٍ حول الفكرة ليناقشوها بتقديم الحجة التي تؤيدها أو تعارضها ،بل يريدون إثارة الضوضاء التي توحي للبسطاء بأنهم في المستوى الذي يستطيعون فيه أن يجابهوا النبي وما يأتي به من قضايا الرسالة{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} عقيماً لا يرتكز على أساسٍ ولا يؤدي إلى نتيجةٍ فكريةٍ ،لأن المضمون الذي تحدثوا عنه لا معنى له ،فما هي المناسبة بين آلهتهم وبين عيسى( ع ) ..فهل حدّثهم القرآن عن عبادته كخطٍ للعبادة الشرعية ،ليجدوا تبريراً لعبادة آلهتهم ،وإذا كان النصارى يعبدونه ،كما توحي أو تتحدث آيات القرآن ،لاعتقادهم بألوهيته بأيّ معنًى من معاني الألوهية ،فما هي علاقة القرآن بذلك وهو يؤكد دوره كرسولٍ من الله في موقع البشرية التي لا ترتفع عن هذا المستوى بطريقة الخلق العجيب في ولادته من دون أب ،لأن ذلك من الأمور التي تتصل بقدرة الله ،لا بقيمة الشخص ؟!
إن كلامهم هذا من نوع الكلام الذي لا معنى له كردٍّ على ما أثاره القرآن ،ولكنكما ذكرناهو محاولة إشغال الجو بأيِّ شيء ،لتعطيل حركة فكر الرسالة في المجتمع ،وليدور الجدال بعيداً عما إذا كان لصيقاً بالموضوع أو بعيداً عنه ،كما يفعل كثير من الكافرين والمستكبرين عندما يريدون مواجهة دعوات الحق والعدل ،بالعمل على صرف الناس عن الاستماع إليها والانشداد نحوها ،وذلك بإثارة الأفكار التي تحرّك الجدال والنزاع بطريقةٍ تمنع الناس من التفكير الهادىء المتّزن ،من دون أن يكون هناك أساسٌ فكريٌّ يرتبط بالفكرة الرسالية ،في مواقع الموقف المضاد .
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} وهي صفتهم الذاتية ،فهم لا يعيشون مسؤولية البحث عن الحقيقة ،بل يحترفون الخصومة ،بكل أساليبها المتلوّنة ،ليصلوا إلى أطماعهم ،وليحافظوا على امتيازاتهم ومواقعهم ،والخصومة فنٌّ مستقل وجزء في لعبة المكاسب الذاتية أو السياسية أو الاجتماعية ،وليست وسيلةً من وسائل الوصول إلى النتائج الحاسمة في الحق .