الفرق بين الإيمان والإسلام
هل هناك فرقٌ بين الإسلام والإيمان ،أم أنهما كلمتان مترادفتان ،فكل مسلم مؤمنٍ ،وكل مؤمن مسلم ؟
إنَّ هذه الآيات تعطي الجواب عن هذا السؤال وتؤكد أن الإسلام يمثل في مفهومه الانقياد العملي ،والتسليم الطوعي ،والانسجام الشكلي مع أوامر الله ونواهيه ،بحيث يصبح الشخص جزءاً من المجتمع المسلم بما يفرض عليه من حقوقٍ وواجبات ،سواء جاء إسلامه نتيجة ظروف خارجية ضاغطة ،كحال من يدخل في الإسلام رهبةً من نتائج وقوفه في الجانب المضادّ ،أو جاء رغبةً وطمعاً في الأرباح والمكاسب التي يمكن أن يحصل عليها من إسلامه ذاك ،إلى غير ذلك من الدوافع التي قد تشكل سبباً لدخول الناس في الإسلام .
فالله لم يجعل الإيمان شرطاً للدخول في الإسلام ،بل ارتضى لهم أن ينسجموا مع الجو الإسلامي العام ،وأن يدخلوا في مجتمع المسلمين ،ويخرجوا من مجتمع الكافرين ،لأن هدفه أن يجمع الناس حوله ،ليضعف قوّة الكفر أو الشرك بشكل عملي ،وليبدأ عملية التوعية والتربية الروحية والفكرية والتوجيه العملي من داخل الأجواء الإسلامية ،ليبني قناعة الناس بالإسلام ،أو ليبعدهمعلى الأقلعن مجتمع الكفر ،مع دعوته الدائمة للحذر منهم ،ليكون المسلمون المؤمنون على حذرٍ دائم ويقظةٍ مستمرة .
أمّا الإيمان ،فإنه قناعة فكرية وروحية يجسدها السلوك الخارجي عملاً ،ليكون قناعةً في الفكر ،وشهادةً باللسان ،وحركةً في العمل ،كما روي عن الإمام علي ( عليه السلام ) في ما رواه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) قال: «قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ): الإيمان هو الإقرار باللسان وعقدٌ في القلب وعملٌ بالأركان »[ 1] .
وهكذا ،فمن خلال المساحة الفاصلة بين الإسلام والإيمان ،قد يعيش الواقع الإسلامي مشاكل كثيرة يثيرها وجود منافقين ،يشكلون ،بعنوان كونهم مسلمين ،نوافذ يطل منها الكفر على الواقع الإسلامي ويمنحه فرصة الاطلاع على ما لا يملك الاطلاع عليه من الخارج ،وتنفيذ خطط تآمرية ضده تثير الخلل والاهتزاز والقلق والخلاف فيه ،ونحو ذلك ،ما يضعف المسيرة الإسلامية على مستوى القيادة والقاعدة ..
وفي مقابل هؤلاء المنافقين ،هناك وجودٌ للمسلمين المؤمنين الذين يتحركون من قاعدة الالتزام الواعي الصلب الذي يعمل على تأكيد الخط الإسلامي المستقيم في مواجهة الخطوط المنحرفة التي يحركها الكفر هنا وهناك ،ليخلط وجه الحق بالباطل ،فتضيع الرؤية ،وترتبك المواقف ،وليحوّل الموقف الإسلامي في ساحة الصراع إلى جهادٍ مريرٍ ومعاناةٍ قاسيةٍ ،قد يسقط فيها الشهداء ،وتكثر فيها الجراحات ،وتشتد فيها الضغوط ،وتتعقد فيها المشاكل من قريبٍ أو من بعيد .
{قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا} والظاهر أن المراد بالأعراب هم سكان البادية الذين لم يتفقهوا في الدين ،ولم يعيشوا الوعي العميق للمضمون الفكري والروحي للإسلام ،لذا كانوا يعملون على إعلان الإيمان صفة لشخصيتهم الجديدة التي يتحركون باسمها .
ولكن الله أراد لرسوله أن يفضح واقع هؤلاء الداخلي الذي يختفي وراء مظهرهم الشكلي ،ويعرّفهم الحدود التي يقفون عندها في واقعهم ،{قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ} لأن الإيمان يعبّر عن عمق الإحساس بالعقيدة كقناعةٍ في جانب الفكر والشعور ،مما يتمثل في وجودكم الذهني والروحي والشعوري ،{وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} ،فقد أسلمتم أمركم لله ورسوله بالكلمة والطاعة ،وأوقفتم الحرب ضد الدعوة والرسالة ،وانتقلتم من مجتمع الكفر إلى مجتمع الإسلام ،وبدأتم عملية الاندماج فيه ،والمشاركة في حركته في خط المواجهة ،دون أن تستوعبوا المسألة العقيدية في قناعاتكم{وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ،فقد تحتاجون إلى الوقت الطويل الذي تتخلصون فيه من رواسب الشرك في خيالاته وعاداته وتقاليده ،وتنفتحون فيه على أفكار الإيمان في حقائقه وشرائعه ومناهجه ،وتختزنون ،من خلال ذلك ،الروحية الإيمانية الصافية المنطلقة مع إشراقة النور الإلهي في عقولكم وقلوبكم .
{وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في المعنى الحقيقي الذي يأخذ الدين كله فكراً وعملاً ،لتبتعدوا عن الازدواجية بين ما هو الواقع الداخلي في قناعاتكم وانفعالاتكم وما هو الواقع الخارجي في سلوككم وأوضاعكم ،لتتوحّد الشخصية بالإيمان الفكر ،والإيمان الموقف{لاَ يَلِتْكُمْ مّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} أي لا ينقصكم شيئاً منها ،لأن الطاعة الحقيقية الكاملة تستوعب النتائج كلها على مستوى رضوان الله وثوابه ،{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فهو الذي يغفر الذنب برحمته ،فلا يبقى للذنب أيّ أثر في ما يمكن أن يتركه من سلبياتٍ على مصير الإنسان عند الله .