{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ} ،ذكر المفسرون أن «لا » زائدة مؤكدة ،مثلها في قوله تعالى:{لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} ( الحديد: 29 ) ومعناه «أقسم »[ 1] .وهناك احتمالٌ آخر ،وهو إبقاء الكلمة على طبيعتها كجزءٍ من الكلام ،ليكون المعنى هو أن المسألة واضحة جداً بحيث لا تحتاج إلى أيّ قسمٍ مهما كان عظيماً ،ولكن ربما كان الاحتمال الأول أقرب ،لأن التأكيد على عظمة القسم في الآية التالية يوحي بأن المقصود هو تأكيد الفكرة عن القرآن بالقسم العظيم ؛والله العالم .
ولكن ما هو المراد بمواقع النجوم ،فقد جاء عن مجموعة من المفسرين منهم صاحب الكشاف ،أن المراد بمواقع النجوم مساقطها ومغاربها[ 2] ،أي محالّ وقوعها وسقوطها ،ويشير به إلى سقوط الكواكب يوم القيامة أو وقع الشهب على الشياطين ،أو مساقط الكواكب في مغاربها ،ويرى صاحب تفسير الميزان أن الاحتمال الأول هو السابق إلى الذهن[ 3] ،وربما كان ذلك من جهة أن أجواء الآيات التالية تدور في فلك الآخرة التي أريد لها أن تعيش في وعي الناس ،ليتذكروها في ما يتذكرونه من مقدمات يوم القيامة من انتثار النجوم .وقد جاء في بعض التفاسيركما في ظلال القرآنأن المراد بمواقع النجوم أماكنها ومداراتها في السماء ،فقد جاء فيه: «لم يكن المخاطبون يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل ،الذي يدركونه بعيونهم المجرّدة ،ومن ثمَّ قال لهم:{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ...فأمّا نحن اليوم ،فندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمقسم به ،نصيباً أكبر بكثير مما كانوا يعلمون .وإن كنا نحنأيضاًلا نعلم إلا القليل عن عظمة مواقع النجوم .
وهذا القليل الذي وصلنا إليه بمراصدنا الصغيرة المحدودة المناظير ،يقول لنا: إن مجموعةً واحدةً من مجموعات النجوم التي لا تحصى في الفضاء الهائل الذي لا نعرف له حدوداً ،تشكّل المجرّة التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية ويبلغ تعدادها ألف مليون نجم
ويقول الفلكيون إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم ،ما يمكن رؤيته بالعين المجردة ،وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة ،وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه .هذه كلها تسبح في الفلك الغامض ،ولا يوجد أيّ احتمال أن يقترب مجال مغناطيسيّ لنجم من مجال نجم آخر ،أو يصطدم بكوكبٍ آخر ،إلاّ كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي ،يسيران في اتجاهٍ واحدٍ وبسرعةٍ واحدةٍ ،وهو احتمال بعيد ،إن لم يكن مستحيلاً »[ 4] .
ولكن قد نلاحظ على هذا الاحتمال ،أن مواقع النجوم ذاتها لا تحمل أيّة خصوصية تدلّ على العظمة ،بعيداً عن النجوم نفسها في حركتها وأوضاعها ،ما يجعل الاحتمال الأول الذي يتحدث عن مساقط النجوم أو مغاربها ظاهرة كونية إلهيّة عجائبية تثير الانتباه ،والله العالم .