وينتقل القرآن بنا إلى جوٍّ آخر ،نواجه فيه هؤلاء الأشخاص ،وهم يعيشون الحوار مع الله ،حيث يواجههم الله بالأسئلة الحاسمة التي تصدمهم بالحقيقة ،ولا يملكون إلا أن يجيبوا عنها بالحق ،إذ لا مجال لهم لغير ذلك أمام الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ} في الموقع الذي يواجهون فيه الحساب بين يدي الله ،ليقدموا حساب أعمالهم ،وليكشف اللهمن خلال ذلكما يختزنونه من أفكار ،وما كانوا يثيرونه من أقاويل وأفكارٍ لا تعبّر عن قناعةٍ حقيقية .
{قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} فقد كنتم تنكرون هذا كله في الدنيا ،ولكنكم تقفون الآن مع الحقيقة التي تفرض نفسها على أبصاركم وأفكاركم ،فماذا أنتم قائلون ؟هل هناك ظلال شك تغشي عيونكم الان ؟{قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا} إنهم يعترفون بالحق اعترافهم بالله الذي يقسمون به لتأكيد قناعتهم بما يشاهدون .
{قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} فقد قامت عليكم الحجة من خلال الرسالات التي جاء بها الرسل ،ولكنكم تمردتم واستكبرتم وكفرتم ،من دون عذرٍ ،فماذا تنتظرون إلا العذاب الذي هو الجزاء الإلهي العادل لموقفكم المنكر ؟فقد أخبركم الرسل بذلك كله ،في ما حدثوكم به عن مستقبل المسؤولية في جانب الثواب والعقاب .
ولا يطيل الله الحديث معهم ،لأن القضية الواضحة لا تحتمل جدلاً وحواراً ،بل تقف في مواجهة الحجة لتسجل الموقف الحق في اللحظة الحاسمة ..ليتحرك التنفيذ من خلال ذلك ..وتلك هي اللحظة التي ينبغي للإنسان أن يحسب حسابها في الموقف الصعب أمام الله ،فهناك يشعر بأنه مكشوف بكل فكره وشعوره وعمله ،فالله لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء .