/م29
{ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} تقدم تفسير مثل هذا التعبير قريبا .ووقفهم على ربهم عبارة عن وقف الملائكة إياهم في الموقف الذي يحاسبهم فيه ربهم ، وإمساكهم فيه إلى أن يحكم بما شاء فيهم ، فهو من قبيل:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم{[894]}
أي يقفون مطيهم عندي وقوفا ، ولا يشترط في هذا أن يكونوا في مكان أعلى من المكان الذي هو فيه .أو المعنى يحبسونها علي بإمساكها عندي .وإنما عدي الوقف والوقوف الذي بهذا المعنى بعلى – وكذا الحبس والإمساك الذي فسر به – لدلالته على معنى القصر ، قال تعالى:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} [ المائدة:4] أي مما أمسكته الجوارح مقصورا عليكم فلم تأكل منه لأجلكم ، وكذلك حبس العقار ووقفه على الفقراء وسائر وجوه البر فيه معنى قصره على ذلك .والذين تقفهم الملائكة وتحبسهم في موقف الحساب امتثالا لأمر الله تعالى ، أو يكون أمرهم مقصورا على الله تعالى لا يتصرف فيه غيره{ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله} [ الإنفطار:19] وإنما أطلت في بيان كون استعمال وقف هنا متعديا بعلى ما تقدم قريبا في تفسير قوله تعالى:{ وقفوا على النار} [ الأنعام:27] لأن المفسرين اضطربوا في التعدية هنا فحمل الكلام بعضهم على التمثيل وبعضهم على الكناية وبعضهم على مجاز الحذف أو على غيره من أنواع المجاز ، وجعله بعضهم من الوقوف على الشيء معرفة وعلما ، وجاء بعضهم بتأويلات أخرى لا حاجة إلى ذكرها .
بينا آنفا في تفسير{ ولو ترى إذ وقفوا على النار} أن جواب"لو "لتذهب النفس في تصوره كل مذهب يقتضيه المقام .وللإيذان بأنه لا يحيط به نطاق الكلام ، ومن شأن السامع لمثل هذا أن ينتظر بيانا لما يقع في تلك الحال ، فإن لم يوافه المتكلم به ، توجهت نفسه إلى السؤال عنه ، فلهذا جاء البيان جوابا لسؤال مقدر وهو قوله تعالى:{ قال أليس هذا بالحق} إدخال الباء على الحق يفيد تأكيد المعنى أي قال لهم ربهم أليس هذا الذي أنتم فيه من البعث هو الحق لا ريب فيه ؟{ قالوا بلى وربنا} أي بل هو الحق الذي لا ريب فيه ولا باطل يحوم حوله ، اعترفوا وأكدوا اعترافهم باليمين ، فشهدوا بذلك على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ، فبماذا أجابهم رب العالمين ؟{ قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( 30 )} أي إذا كان الأمر كذلك فذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون ، بسبب كفرهم الذي كنتم عليه دائمون .
/خ32