{أَسِفًا}: تأتي أسف بمعنى غضب وحزن .
{تُشْمِتْ}: الشماتة: الفرح بالمصيبة ولا تكون إلا من العدوّ .
موسى يرجع غضبان أسفاً
هذه هي قصّة هؤلاء ،أمّا موسى فقد أخبره الله بأن السامري أضل قومه{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} حزيناً ،في حالةٍ يبتعد فيها النبيّ عن الغضب الذاتي ،والحزن الانفعالي ،فقد غضب لله الذي أشرك هؤلاء بعبادته ،بعد أن أقام عليهم الحجة تلو الحجة ،وحزن للرسالة ،بعد هذا الجهد الضائع الذي بذله من أجل تنميتها في حياة هؤلاء وتعميقها في داخل نفوسهم .
{بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي} فتصرفتم هذا التصرف الضال في غيابي ،ولم تنتظروا الانطلاقة الجديدة التي ستتحرك في حياتكم من خلال وحي الله وأمره .{أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} فلم تصبروا ريثما يأتيكم بالهدى والخير والبركة في شريعته ...
{وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ} من يده في حالةٍ انفعالية ،ثم وجّه كلامه إلى أخيه هارون ،باعتباره خليفته الذي أراد أن يصلح أمرهم ،ويقف ضد كل عوامل الفساد التي تنحرف بهم عن مسيرتهم في خط الإيمان .
{وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} في تعبيرٍ صارخٍ عن الحالة النفسية التي كان يعيشها موسى إزاء ما حدث ،وربّما تحدّث الكثيرون عن مبدأ العصمة في شخصيته كنبيٍّ ،وعن التساؤل الإيمانيّ في مدى انسجام هذا التصرف الغاضب مع هذا المبدأ ،ولكننا لا نجد تنافياً بينهما إذا أردنا أخذ القضية ببساطةٍ بعيداً عن التعقيد والتكلف ،فموسى بشرٌ يغضب كما يغضب البشر ،ولكن الفرق بينه وبينهم ،أن لغضبه ضوابط ،فلا يتصرف بما لا يرضي الله ،ولا يغضب إلا لما يرضاه الله .وقد غضب على قومه لله ،وعلى أخيه هارون للغرض نفسه .
لقد اعتبر أخاه مسؤولاً عما حدث بسبب تساهله معهم ،وعدم ضغطه عليهم ومنعهم من ذلك ،فقد كان تقديره ،أنه إذا رفع درجة الضغط ،يمكن أن يساهم ذلك في منع ما حدثمما لم يقم به هارونفكان موسى منسجماً مع نفسه ،ومع دوره وصفته في ما اتخذه من إجراءٍ مع هارون ،ولكن هارون كان له رأيٌ آخر ،فقد وقف ضدّهم ،وواجههم بكل وسائل الضغط التي يملكها ،ولكنهم كانوا لا يهابونه كما يهابون موسى صاحب الشخصية القوية التي واجه بها فرعون بكل طاغوتيته .وكانوا يرون في فرعون القدرة التي لا حدّ لها في ما كان يتميز به من قوّةٍ بدنيةٍ وروحيةٍ وقيادية ...أما هارون ،فقد كانفي ما يبدوفي الظلّ مجردّ تابعٍ لموسى ،فلم يظهر له دورٌ إلا في المواجهة الأولى مع فرعون .فاستضعفه القوم بالرغم من مركزه كخليفةٍ لموسى ونائبٍ له .{قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَآءَ} ،فلم أفعل ما أحاسب عليه ،لأن الظروف كانت أقوى من قدرتي ،فقاومت حتى لم يعد هناك مجالٌ للمقاومة ،وجابهت حتى كدت أُقتل ،فإذا تصرفت معي بهذه الطريقة ،فإن ذلك سوف يكون دافعاً لشماتة الأعداء بي ،لأنني قاومتهم وجابهتهم ،وها هم يرونني أمامك واقفاً وقفة المذنب دون ذنب ،فلا تفعل بي ذلك ،{وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} لأني قمت بما اعتقدت أنه مسؤوليتي دون تقصير .