يخبر تعالى أن موسى ، عليه السلام ، رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف .
قال أبو الدرداء "الأسف ":أشد الغضب .
( 151 ) ( قال بئسما خلفتموني من بعدي ) يقول:بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم .
وقوله:( أعجلتم أمر ربكم ) ؟ يقول:استعجلتم مجيئي إليكم ، وهو مقدر من الله تعالى .
وقوله:( وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه ) قيل:كانت الألواح من زمرد . وقيل:من ياقوت . وقيل:من برد وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث:"ليس الخبر كالمعاينة "
ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبا على قومه ، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا . وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا ، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة ، وقد رده ابن عطية وغير واحد من العلماء ، وهو جدير بالرد ، وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب ، وفيهم كذابون ووضاعون وأفاكون وزنادقة .
وقوله:( وأخذ برأس أخيه يجره إليه ) خوفا أن يكون قد قصر في نهيهم ، كما قال في الآية الأخرى:( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري . قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) [ طه:92 - 94] وقال هاهنا:( ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) أي:لا تسقني مساقهم ، ولا تخلطني معهم . وإنما قال:( ابن أم ) ; لتكون أرأف وأنجع عنده ، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه . فلما تحقق موسى ، عليه السلام ، براءة ساحة هارون عليه السلام كما قال تعالى:( ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ) [ طه:90]