{فُرْقَانًا}: أصل الفرقان ما يفرق به بين الشيء والشيء .وهو في الآيةبقرينة السياق وتفريعه على التقوىما يفرّق به بين الحق والباطل ،سواء كان ذلك على صعيد العقيدة والفكر أو على صعيد العمل .
التفريق بين الحق والباطل من ثمار التقوى
وهذا هو النداء الرابع الذي يدعو المؤمنين إلى اعتبار التقوى أساساً للرؤية الصحيحة للأشياء ،وميزاناً للتمييز بين الحق والباطل ،وقاعدةً للمغفرة والتكفير عن السيّئات ،لأنها تمثّل الموقف الواعي الذي ينظر إلى الأشياء بعين الله ،ويحكم عليها من خلال شريعته ،وبذلك يوحي للعقل بالإشراق وللخطوات بالتوازن على الطريق المستقيم .{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} انطلقوا بإيمانكم إلى المواقع التي تتحوّل بكم إلى الموقف الحق في خط التقوى ،فإن الله قد أعدّ للمتقين كل خيرٍ ورحمةٍ ورضوان .
{إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} يفرق بين الحق والباطل ،في ما يمثله من المراقبة الدائمة لله في كل ما يتحرك فيه الإنسان أو يقف ،فلا يقدم رجلاً ولا يؤخّر أخرى حتى يعلم أن في ذلك لله رضى ،مما يعمِّق في داخله الإحساس الواعي بالخطوط الفاصلة بين النور والظلمة وبين الخطأ والصواب ،ويجعل نوره يسعى بين يديه ،وعن يمينه وعن شماله ،وذلك هو خط المعرفة في حركة التقوى في حياة الإنسان .{وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ،لأن التقوى تعني التوبة الحقيقية في مضمونها العملي ،الذي يمثلّ الحركة التغييرية في صعيد الواقع في مقابل التوبة الكلامية التي تعبّر عن الحالة النفسية الطارئة بعيداً عن الموقف الثابت المستمر .وبذلك يتحقق الأساس للمغفرة والرضوان والتكفير عن السيئات ،لأن{الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [ هود:114] ،كما جاء في بعض الآيات .{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} الذي لا يمنع أحداً من فضله ولا يحرم أحداً من لطفه ونعمه .