وإن تقوى الله تعالى هي السبيل لمقاومة الشر ، وجعل فارق بين يجعل النفس تلتزم الجادة ولا تحيد عنها ؛ ولذا قال تعالى:
{ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} .
يحصن الله تعالى نفس المؤمن ليكون دائما بعيدا عن الخيانة ، وقد حصنها بما أعد من أجر عظيم للمؤمنين الأمناء الذين شروا أنفسهم لله تعالى ، وأعدها بتربية التقوى في النفس ، حتى تكون في حال خوف من عذابه ، كما ترجوا ثوابه ؛ لذلك ناداهم سبحانه وتعالى مبينا خواص التقوى ، فذكر أنها تنير الطريق ، فلا تضل العقول ، فيقول سبحانه:{ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} .
ثلاثة أمور تترتب على التقوى مجاوبة لنفس المتقي ، وهي الفرقان ، وتكفير السيئات ، والغفران .
أما الأول وهو الفرقان ، فهي كلمة جامعة لمعاني الفصل بين النور والهدى ، والحق والباطل ، والواضح النير وما فيه إشباه وإبهام ، والطاعة والعصيان .
وتطلق كلمة الفرقان على كل ما يؤدي إلى هذه المعاني ، فتطلق على النصر ؛ لأنه يعلى الحق ، ويخفض الباطل ، ويفرق بين العزة والذلة ، وتطلق على البيان ؛ لأنه يفرق بين الحق والشبهات ، ويشهر الحق ويعلنه ، وينشر الاسم والصيت في الأرض .
وكيف تكون التقوى تعمر النفوس ، وتطهر القلوب ، وتنير الأبصار ، وفي الحكمة الشرقية أن القلب إذا عمره الإخلاص وقذف الله فيه بالحكمة ، فاستقام اللسان واستقام العمل ، واستقام السلوك ولم ينحرف عن الجادة ، وحينئذ لا يشتبه أمر من الأمور ، وتكون المشتبهات ضاحيات نيرات إما إلى الهدى ، وإما إلى الضلال .
هذا هو الفرقان ، وهو أولى ثمرات التقوى ، وهو جامع للخير ، إذ هو جامع للعلم النافع الهادي .
والثاني:هو إن الله تعالى يكفر عنه السيئات ، وتكفير السيئات معناه إزالة آثارها في النفس ، فإن النفس إذا أذنبت نكتت فيها نكت سوداء تتوالى حتى يرباد القلب ، وتكفير السيئات إزالة هذه النكت السوداء ، أو ما علق منها ، حتى يصير القلب أملس كالمرآة ، وإن التقوى تفعل ذلك ؛ لأنها تجلوا صدأ القلوب ويمتلئ القلب بذكر الله تعالى ، فيعبده كأنه يراه ، ويحس بعظمته تملأ نفسه ، وتنير سبيله .
والثالث:فمن بعد تطهير النفس من السيئات بتكفيرها ، يكون الغفران وستر الذنوب ، وتكون الرحمة الشاملة ، ولقد ختم الله تعالى ذلك بقوله تعالى:{ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ، لأن ذلك كله من فضل الله تعالى{ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} .