موارد نفقات الصدقة
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ} الذين لا يجدون الفرصة الذاتية للعيش الكريم ،فيضطرهم ذلك إلى الاقتراض ،أو إلى سؤال الناس الآخرين ،وربما كانت الكلمة الثانية تمثل المعنى الذي يجعل الفئة الثانية المساكين أردأ حالاً من الفئة الأولى ،{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} الجباة لها من المكلّفين{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} الذين يراد تقريبهم إلى أجواء الإسلام ،أو تثبيتهم في مواقفه ،وذلك من خلال الرعاية الماليّة لهم ،ليتحوّل ذلك إلى شعور حميم تجاه الإسلام وأهله ،فيزداد اهتمامهم بالتفكير فيه ،وبتعلّم أحكامه وشرائعه ،وبالالتزام بخطه المستقيم ،{وَفِى الرِّقَابِ} وذلك بصرف الصدقة في عتق العبيد الذين هم تحت الشدّة ،أو مطلق العبيد ،باعتبار أن تحريرهم هو من أولى الأهداف الإسلامية في الحياة ،التي يدعو الله المسلمين إليها ،أو يوحي إلى وليّ الأمر أن يقوم بها من خلال الميزانية المالية للدولة ،{وَالْغَارِمِينَ} الذين أطبقت عليهم الديون فلم يستطيعوا إلى الوفاء بها سبيلاً ،{وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ} في خطّ الجهاد من أجل إعلاء كلمته في الأرض ،وفي خطّ الخير العام الذي يراد به دفع مستوى الحياة على أساس الغايات التي يريد الله للحياة أن تصل إليها في حركة الإنسان في الأرض ،{وَابْنِ السَّبِيلِ} الذي انقطع في سفره ،فلم يجد ما ينفق به على نفسه ،أو يرجع به إلى بلده{فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وليست مجرد عمل خيري ذاتيّ ،يملك الناس الحريّة في ممارسته وعدم ممارسته ،بل هو فريضةٌ لازمةٌ يلتزم بها الناس على أساس العقاب والثواب{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ،فهو العالم بحاجات الناس وبمواقعها ،الذي يشرّع لهم الحلول لمشاكلهم من مواقع الحكمة .
وإذا كانت الصدقات تمثل سدّ الحاجة لأمثال هؤلاء الناس ،فلا يملك النبيّ أو غيره أمر التصرّف فيها في غير مواردها ،فكيف يطمح هؤلاء المنافقون ،أن يعطيهم النبيّ بغير حساب ،تماماً كما لو كان المال ماله الشخصي الذي يملك حرية التصرف فيه ؟هل يتصورونه ملكاً كبقية الملوك ،أو أميراً كبقية الأمراء ممن ينطلق حسابهم من خلال حاجتهم لتكثير أتباعهم وتدعيم سلطنتهم على حساب الأهداف الكبيرة للإنسان والحياة ؟ولهذا فهم يحددون موقفهم منه في رضاهم وسخطهم على أساس ما يبذله لهم من مال ،وما يقدّمه من امتيازات .إنَّ الله حدّد لرسوله مصارف ذلك كله ،فإذا كانوا من مصارف الصدقات ،فعليهم أن يعرفوا أنَّ لذلك حدّاً محدوداً لا يتجاوزه إلى غيره ،أمّا إذا لم يكونوا من مصارفها ،فلا مجال لهم بأن يأملوا بشيء من ذلك ،لأن النبي لا يتجاوز حدود الله ،في ما جعله للأشياء من حدود وضوابط .
وذلك هو ما ينبغي لهم أن يعرفوه من شؤون التشريع في حدوده وتطبيقاته العملية .