التّفسير
موارد صرف الزكاة ودقائقها:
في تاريخ صدر الإِسلام مرحلتان يمكن ملاحظتهما بوضوح ،إحداهما في مكّة ،حيث كان هدف النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمسلمين فيها تعليم الأفراد وتربيتهم ونشر التعاليم الإِسلامية .والثّانية في المدينة ،حيث أقدم النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) على تشكيل حكومة إِسلاميّة أجرى من خلالها الأحكام والتعاليم الإِسلامية .
وممّا لا شك فيه أنّ أوّل وأهم مسألة واجهت تشكيل الحكومة هي إيجاد بيت المال ،إِذ عن طريقه تُؤمَّن حاجات الدولة الاقتصادية ،وهي حاجات طبيعية توجد في كل دولة بدون استثناء ،ومن هنا كان إِيجاد بيت المال من أوائل أعمال النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المدينة ،وتشكل الزكاة أحد موارده ،وعلى المشهور فإنّ هذا الحكم شُرّع في السنة الثّانية للهجرة النبوية .
وكما سنشيربعد حينإِلى إِرادة الله وحكمه ،فإنّ حكم الزكاة قد نزل من قبل في مكّة ،لكن لا على نحو وجوب جمعها في بيت المال ،بل كان الناس يؤدونها ذاتياً ،أمّا في المدينة فإنّ قانون جباية الزكاة وجمعها في بيت المال قد صدر من الله تعالى في الآية ( 103 ) من سورة التوبة .
إنّ الآية التي نبحثها ،والتي نزلت يقيناً بعد آية وجوب الزكاةوإن لم يسبق لها ذكر في القرآن الكريمتبيّن الموارد المختلفة التي تصرف فيها الزكاة .وممّا يلفت النظر أن الآية بدأت بكلمة ( إنّما ) الدالّة على الحصر ،وهي توحي بأنّ بعض الأفراد الأنانيين أو المغفلين كانوا يطمعون في أن يحصلوا على نصيب من الزكاة بدون أي وجه لاستحقاقهم لها ،لكن كلمة ( إنّما ) ردّت أيديهم في أفواههم .وهذا المعنى تبيّنه الآيتان اللتان سبقت هذه الآية ،حيث ذكرت أنّ هؤلاء كانوا يعترضون على النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) في عدم إِعطائهم شيئاً من الزكاة ،ويرضون عنه إِذا أعطاهم شيئاً منها .
وعلى أي حال ،فإنّ الآية قد بيّنتبوضوحالموارد الحقيقة التي تصرف فيها الزّكاة ،وأنهت التوقعات غير المنطقية وحددت موارد صرف الزّكاة في ثمانية أصناف:
1الفقراء .
2المساكين: وسيأتي البحث في نهاية تفسير الآية عن الفرق بين الفقير والمسكين .
3العاملين عليها: وهم الذين يسعون في جباية الزكاة ،وإدارة بيت المال ،وما يُعطى لهم هو في الواقع بمنزلة أجرة عملهم ،ولهذا لا يشترط فيهم الفقر على أي حال .
4المؤلفة قلوبهم: وهم الذين لا يوجد لديهم الحافز والدافع المعنوي القوي من أجل النهوض بالأهداف الإِسلامية وتحقيقها ،ولكن ويمكن استمالتهم بواسطة بذل المال لهم ،والاستفادة منهم في الدفاع عن الإِسلام وتحكيم دولته ،وإعلاء كلمته .وسيأتي توضيح أوسع حول هذا القسم .
5في الرقاب: وهذا يعني أن قسماً من الزكاة يخصّص لمحاربة العبودية والرق وإنهاء هذه الحالة غير الإِنسانية ،وكما قلنا في محله فإنّ برنامج الإِسلام في معالجة مسألة الرقيق هو اتباع نظام ( التحرير التدريجي ) الذي ينتهي إِلى تحرير جميع العبيد بدون مواجهة ردود فعل اجتماعية غير متوقعة ،ويشكّل تخصيص قسم من الزكاة لهذا الموضوع جانباً من هذا البرنامج المتكامل .
6الغارمون: وهم الذين عجزوا عن أداء ديونهم ،ولم يكن هذا العجز نتيجة لتقصيرهم .
7في سبيل الله: والمراد منهكما سنشير إِليه في آخر تفسير الآيةجميع السبل التي تؤدي إِلى تقوية ونشر الدين الإِلهي ،وهي أعم من مسألة الجهاد والتبليغ وأمثالها .
8ابن السبيل: وهم الذين تخلفوا في الطريق لعلة ما ،وليس معهم من الزاد والراحلة ما يوصلهم إِلى بلدانهم أو إِلى الجهة التي يقصدونها ،حتى ولو لم يكونوا فقراء في واقعهم ،لكنّهم افتقروا الآن نتيجة سرقة أموالهم أو مرضهم أو قلّة أموالهم أو لأسباب أخر ،ومثل هؤلاء يجب أن يُعطَوا من الزكاة ما يوصلهم إِلى مقصدهم أو بلدهم .
وفي خاتمة الآية نلاحظ التأكيد على صرفها في الجهات السابقة ،ولذلك قال سبحانه: ( فريضة من الله ) ولا شك أنّ هذه الفريضة قد حُسبت بصورة دقيقة جدّاً ،وبصورة تحفظ مصالح الفرد والمجتمع ،لأنّ ( الله عليم حكيم ) .
بحوث
وهنا أُمور ينبغي ملاحظتها:
1الفرق بين الفقير والمسكين
هناك بحث بين المفسّرين في مفهومي الفقير والمسكين ،هل أنّ مفهومهما واحد ،وتكرار اللفظين معاً في الآية من باب التأكيد فتصبح موارد صرف الزكاة سبعة لا ثمانية ،أم أنّهما لهما معنيان مختلفان ؟
أغلب المفسّرين والفقهاء قالوا بالثّاني ،لكن وقع البحث حتى بين أنصار هذا القول في تفسير وتحديد مفهوم كل من الكلمتين ،والذي يبدو أقرب للنظر ،أنّ ( الفقير ) هو الشخص الذي يعاني من حاجة مالية في حياته ومعاشه مع أنّه يعمل ويكتسب ،لكنّه لا يسأل أحداً مطلقاً رغم حاجته لعفته وعزّة نفسه ،أمّا ( المسكين ) فهو أشد حاجة من الفقير ،وهو العاجز عن العمل ،فهو مضطر لأنّ يستعطي الناس ويسألهم .والدليل على ذلك أنّ الأصل اللغوي لكلمة مسكين مأخوذ من مادة السكون ،لأنّ المسكين لشدة فقره كأنّه سكن وأخلد إلى الأرض .
ثمّ إنّ ملاحظة استعمال الكلمتين في مواضع متعددة من القرآن يؤيد هذا الرأي ،فمثلا: نقرأ في الآية ( 16 ) من سورة البلد: ( أو مسكيناً ذا متربة ) وفي الآية ( 8 ) من سورة النساء: ( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم )ويُفهم من هذا التعبير أنّ المراد بالمساكين هم الذين يسألون ويستعطون إِذا حضروا مثل هذه المواضع .
وفي الآية ( 24 ) من سورة القلم نقرأ: ( أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين )وهي إشارة إِلى السائلين .
وكذلك التعبير ب ( إِطعام مسكين ) أو ( طعام مسكين ) ،فإنّه يوحي بأنّ المساكين هم الجياع الذين يحتاجون إِلى الطعام ،في حين أنّنا نستطيع أن نفهم بوضوحمن خلال بعض الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة الفقيرأنّ المراد من الفقراء هم أفراد محتاجون للمال لكنّهم لحفظ ماء الوجه ولعزة أنفسهم لا يسألون الناس مطلقاً ،كما تبين ذلك الآية ( 273 ) من سورة البقرة: ( للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأَرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) .
وبعد كل هذا ففي رواية رواها محمّد بن مسلم عن الإِمام الصادق أو الإِمام الباقر( عليهما السلام ) ،أنّه سأله عن الفقير والمسكين فقال: «الفقير الذي لا يسأل ،والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل »{[1639]} .وبهذا المضمون وردت رواية عن أبي بصير عن الصادق( عليه السلام ) ،وكلتاهما صريحتان في المعنى السابق .
ونذكّر هنا بأنّ قسماً من القرائن قد يظهر منه أحياناً خلاف ما قلناه ،إلاّ أنّنا إذا نظرنا إِلى مجموع القرائن اتَّضح أن الحق ما قلناه .
2هل يجب تقسيم الزّكاة إِلى ثمانية أجزاء متساوية ؟
يعتقد بعض المفسّرين والفقهاء أنّ ظاهر الآية يدلّ على وجوب تقسيم الزكاة إِلى ثمانية أجزاء متساوية ،وصرف كل جزء في مورده الخاص إلاّ أن يكون مقدار الزكاة من القلّة بحيث لا يمكن تقسيمه إِلى ثمانية أقسام .
أمّا الأكثرية الساحقة من الفقهاء فقد ذهبوا إلى أن ذكر الأصناف الثمانية في الآية يبيّن جواز صرف الزكاة في هذه الموارد ،لا أنّه يجب تقسيم الزكاة إلى ثمانية أجزاء .والسيرة الثابتة للنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأئمّة أهل البيت( عليهم السلام ) تؤيّد هذا المعنى ،إضافة إلى أنّ الزكاة إِحدى الضرائب الإِسلامية ،والحكومة الإِسلامية هي المسؤولة عن جبايتها من الناس ،والهدف من تشريعها هو تأمين الحاجات المختلفة للمجتمع الإِسلامي .
أمّا كيفية صرف الزكاة في هذه الموارد الثمانية ،فإنّه يرتبط بالضرورات الاجتماعية من وجه ،وبرأي ووجهة نظر الحكومة الإِسلامية من جهة أُخرى .
3متى شُرعت الزّكاة ؟
يستفاد من الآيات القرآنية المختلفةومن جملتها الآية ( 156 ) من سورة الأعراف ،والآية ( 3 ) من سورة النمل ،والآية ( 4 ) من سورة لقمان ،والآية ( 7 ) من سورة فصلت ،وكلها سور مكّيةأن حكم وجوب الزكاة نزل في مكّة ،وكان المسلمون ملزمين بأدائها كواجب شرعي ،لكن لما قدم النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) إِلى المدينة وأسس الدولة الإِسلامية ،وكان لابدّ من إِيجاد بيت المال ،أمره الله سبحانه بأن يأخذ الزكاة من الناس بنفسهلا أنهم يصرفون الزكاة بأنفسهم حسب ما يرونهفنزلت الآية ( 103 ) من سورة التوبة: ( خذ من أموالهم صدقة ...) .
والمشهور أنّ ذلك كان في السنة الثّانية للهجرة ،ثمّ بيّنت الآية التي نبحثهاالآية ( 60 ) من سورة التوبةموارد صرف الزكاة بصورة دقيقة .ولا ينبغي التعجب من أن تشريع أخذ الزكاة في الآية ( 103 ) ،وبيان موارد صرفهاوالذي يقال أنّه نزل في السنة التاسعة للهجرةفي الآية ( 60 ) ،لأنا نعلم أن آيات القرآن لم تجمع وترتب حسب تأريخ نزولها ،بل بأمر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،حيث أمر بوضع كل آية في مكانها المناسب .
4من هم المقصودون ب ( المؤلفة قلوبهم ) ؟
الذي يُفهم من تعبير ( المؤلفة قلوبهم ) أن أحد موارد صرف الزكاة هم الأفراد الذين يراد استمالتهم وجلب محبّتهم بالزكاة ،لكن هل المراد منهم الكفار الذين يمكن الاستعانة بهم في أمر الجهاد ببذل الزكاة لهم ،أم يدخل معهم المسلمون ضعيفو الإِيمان ؟
وكما قلنا في المباحث الفقهية ،فإنّ لهذه الآية ،وكذلك للروايات الواردة في هذا الموضوع مفهوماً واسعاً ،ولهذا فإنّها تشمل كل من يمكن استمالته من أجل نفع وتحكيم الإِسلام ،ولا دليل على تخصيصها بالكفار .
5دور الزّكاة في الإِسلام
إِذا علمنا أنّ الإِسلام يظهر على أنّه مذهب أخلاقي أو فلسفي أو عقائدي بحت ،بل ظهر إِلى الوجود كدين وقانون كامل وشامل عولجت فيه كل الحاجات المادية والمعنوية في الحياة ،وكذلك إِذا علمنا أن تشكيل وتأسيس الدولة الإِسلامية قد لازم ظهور الإِسلام منذ عصر النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،وإذا علمنا أن الإِسلام يهتم اهتماماً خاصّاً بنصرة المحرومين ومكافحة الطبقية في المجتمع اتضح لنا أنّ دور بيت المال والزكاة التي تشكل أحد موارده ،من أهم الأدوار .
لا شك أن في كل مجتمع أفراداً عاجزين عن العمل ،مرضى ،يتامى ،معوقين ،وأمثالهم ،وهؤلاء يحتاجون حتماً إِلى من يحميهم ويرعاهم ويقوم بشؤونهم .وكذلك يحتاج هذا المجتمع إِلى جنود مضحين من أجل حفظ وجوده وكيانه ،أمّا مصاريف هؤلاء الجنود ونفقاتهم فإنّ الدولة هي التي تلتزم بتأمينها ودفعها إِليهم .وكذلك العاملون في الدولة الإِسلامية ،الحكام والقضاة ،وسائل الإِعلام والمراكز الدينية وغيرها ،فكل قسم من هذه الأقسام يحتاج إلى ميزانية خاصّة ومبالغ طائلة لا يمكن تهيئتها دون أن يكون هناك نظام مالي محكم منظم .
وعلى هذا الأساس أولى الإِسلام الزكاةالتي تعتبر في الحقيقة نوعاً من الضرائب على الإِنتاج والأرباح ،وعلى الأموال الراكدةاهتماماً خاصاً ،حتى أنّه اعتبرها من أهم العبادات ،وقد ذكرتجنباً إلى جنبمع الصلاة في كثير من الموارد ،بل إِنّه اعتبرها شرطاً لقبول الصلاة .
وأكثر من هذا أننا نقرأ في الرّوايات الإِسلامية أنّ الدولة الإِسلامية إذا طلبت الزكاة من شخص أو أشخاص وامتنع هؤلاء من ذلك فسوف يحكم بارتدادهم ،وإذا لم تنفع النصيحة معهم ولم يؤثر الموعظة فيهم ،فإنّ الاستعانة بالقوّة العسكرية لمقابلتهم أمر جائز .
وفي رواية عن الإِمام الصادق( عليه السلام ): «من منع قيراطاً من الزكاة فليس هو بمؤمن ،ولا مسلم ،ولا كرامة »{[1640]} .
وممّا يلفت النظر أنّ الرّوايات قد أظهرت أن تعين الزكاة بهذا المقدار يبيّن دقة حسابات الإِسلام ،فإنّ المسلمين جميعاً لو أدّوا زكاة أموالهم بصورة دقيقة وكاملة فسوف لن يبقى فقير أو محروم في كافة أنحاء البلاد الإِسلامية .ففي رواية عن الصادق( عليه السلام ): «ولو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً ...وإن الناس ما افتقروا ،ولا احتاجوا ،ولا جاعوا ،ولا عروا إلاّ بذنوب الأغنياء »{[1641]} .
وكذلك يفهم من الرّوايات أنّ أداء الزكاة سبب لحفظ أصل الملك والأموال وتحكيم أسسها ،بحيث أنّ الناس إذا أهملوا تطبيق هذا الأصل الإِسلامي المهم فإنّ الفاصلة والتفاوت بين الطبقات سيصل إِلى حد يعرض أموال الأغنياء إِلى الخطر .
في حديث عن الإِمام موسى بن جعفر( عليه السلام ): «حَصّنوا أموالكم بالزكاة »{[1642]} .وبهذا المضمون نقلت روايات أُخرى عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمير المؤمنين( عليه السلام ) .
ولمزيد الإِطلاع على هذه الأحاديث راجع الأبواب: الأوّل والثّالث والرّابع والخامس من أبواب الزكاة من المجلد السّادس من وسائل الشيعة .
6ما الفرق بين العطف ب «اللام أو في » ؟
النقطة الأخيرة التي ينبغي الالتفات إِليها ،هي أنّ في الآية التي نبحثها أربعة أقسام ذكرت معطوفة على حرف اللام: ( إنّما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ) ،وهذا التعبير عادة يفيد الملكية .أمّا الأقسام الأربعة الأُخرى فقد سبقها حرف ( في ): ( وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) ،وهذا التعبير عادة يُستعمل لبيان مورد الصرف{[1643]} .
هناك بحث ونقاش بين المفسّرين في سبب اختلاف التعبير ،فالبعض يعتقد أن الأصناف الأربعة الأُولى يملكون الزكاة ،أمّا الأصناف الأربعة الأُخرى فإنّهم لا يملكونها ،بل إن الزكاة يجوز أن تصرف فيهم .
والبعض الآخر يعتقد أن الاختلاف في التعبير يشير إِلى مسألة أُخرى ،وهي أنّ الطائفة الثّانية أكثر استحقاقاً للزكاة ،لأن كلمة ( في ) لبيان الظرفية ،لهذا فإن هذه المجموعة الرباعية تمثل محتوى ومصرف الزكاة ،والزكاة وعاء لها ،في حين أن المجموعة الأُولى ليست كذلك .
لكننا نحتمل ونرجح احتمالا آخر ،وهو أن الستة أقساموهم: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمون وابن السبيلالتي لم تذكر قبلها ( في ) متساوون وقد عطفت على بعضها البعض ،أمّا القسمان الآخرانوهما في الرقاب وفي سبيل اللهاللذان بيّنتهما ( في ) فإنّ لهما وضعاً خاصاً ،وربّما كان السبب في اختلاف التعبير من جهة إِمكان تملك الزكاة من قبل الأصناف الستة ،ويمكن أداء الزكاة إِليهم ( حتى المدينين والعاجزين عن أداء ديونهم ،لكن بشرط الاطمئنان إِلى أنّ هؤلاء يصرفونها في سداد ديونهم ) .
أمّا الصنفان الآخران فلا يملكون الزكاة ،ولا يمكن دفع الزكاة إِليهم ،بل تصرف في جهتهم ،فمثلا يجب شراء العبيد وتحريرهم عن طريق الزكاة ،ومن الواضح أنّهم لا يملكون الزكاة في هذه الحالة ،بل صرفت الزكاة في جهة تحريرهم .وكذلك الحال بالنسبة إِلى الموارد التي تندرج تحت عنوان ( في سبيل الله ) كنفقات الجهاد ،وإِعداد الأسلحة ،أو بناء المساجد والمراكز الدينية ،وأمثال هذه المفردات لا تملك الزكاة بل أنّها مورد لصرف الزكاة .
وعلى أي حال ،فإنّ التفاوت والإِختلاف في التعبير يوضح الدقة المتناهية في التعبيرات القرآنية .