/م90
المفردات:
من زخرف: أي: من ذهب وأصل الزخرف لغة الزينة وأجملها ما كان بالذهب .
ترقى: أي: تصعد .
سبحان ربي: أي: أنزهه تنزيها أن يتحكم عليه إلى هذا الحد .
التفسير:
93-{أو يكون لك بيت من زخرف ...}
أي: أو يكون لك بيت من ذهب روى ذلك عن ابن عباس وقتادة وغيرهما .
{أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه} .أي: أو تصعد في سلم إلى السماء ونحن ننظر إليك ،ولن نصدقك من أجل رقيك وحده ،بل لا بد أن تنزل علينا كتابا نقرأه بلغتنا على نهج كلامنا وفيه تصديقك .
{قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا} .أي: قل لهم متعجبا من مقترحاتهم ،ومنزها ربك من أن يقترح عليه أحد ،أو يشاركه في القدرة: ما أنا إلا كسائر الرسل ،وليس للرسل أن يأتوا ألا بما يظهره الله على أيديهم بحسب ما تقتضيه المصلحة ،من غير تفويض إليهم فيه ،ولا تحكم منهم عليه .
وخلاصة ذلك: سبحانه أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته ،بل هو الفعال لما يشاء ،إن شاء أجابكم إلى ما سألتم ،وإن شاء لم يجبكم ،وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ،وقد فعلت ذلك ،وأمركم فيما سألتم إلى الله عز وجل .
تنبيه:
قال القاسمي:{[489]}
لا يخفى ما في اقتراح هذه الآيات من الجهل الكبير بسنة الله في خلقه ،وبحكمته وجلاله وبيان ذلك- كما في كتاب ( لسان الصدق )- أن ما اقترحته قريش ( منه ) ما أرادوا به مصلحتهم دون مصلحة العباد ،مما يخالف حكمة الله المقتضية ؛لإخلاء بعض البقاع من العيون النابعة ،والأنهار الجارية ،والجنان الناضرة ،دون بعض ،وإرساء الجبال الشم في موضع دون آخر لمصالح يعلنها هو- جلت عظمته- ولا يعلمها الخلق ،فليس مقترحهم هذا من العجز في الشيء .مع أن مثله لا تثبت به النبوة .
فإننا نعلم أن أناسا قد استنبطوا العيون وغرسوا الجنان من النخيل والأعناب ،ونحتوا الجبال ولم يكونوا أنبياء .
ومنه: ما يناقض إرادة الله سبحانه وهو قولهم:{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا} فإن إنزال السماء قطعا مقتض لهلاك العالم بحذافيره ،والله يريد إبقاءه إلى أجل معلوم .
ومنه: ما هو مستحيل في نفسه غير ممكن وقوعه أصلا وهو قولهم:{أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} .فإن الإتيان بالله والملائكة حتى يشاهدهم المشركون أو غيرهم ،مما لا يمكن أن يكون ،فلا يجوز طلبه ،وليس من أنواع المعجز .
ومنه: ما لا يصلح للأنبياء ولو حصل لم يكن معجزا وهو قولهم:{أو يكون لك بيت من زخرف} .فإن هذا غير صالح للأنبياء ،وليس بمعجز ؛لحصول مثله عند أشباه فرعون .
ومنه: ما وعدوا بعدم إيمانهم به لو حصل ،وهو قولهم:{أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليا كتابا نقرؤه ...}{[490]} .
فلم يكن شيء مما اقترحوه في الآيات معجزا .وإنما هي أمور مستحيلة في نفسها أو لأمر آخر ؛اقترحوها تكبرا وتعنتا وجهلا .على أنهم بعد تلك الأقوال كلها قال قائل منهم: وايم الله !لو فعلت ذل ؛لظننت أني لا أصدقك .
فكان الأولى في جوابهم عما اقترحوه ،هو قول الرسول لهم:{سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا} .أي: تنزه ربي عن فعل ما اقترحتموه من المحال وما يناقض حكمته .وما أنا إلا بشر رسول على أن أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم .وقد أتيتكم بما يدل على صدق رسالتي مما أوحاه إليّ وذلك ما تحديتكم بالإتيان بمثله أو بسورة مثله في الهداية والإصلاح{[491]} .