المفردات:
هالك: فان .
إلا وجهه: إلا ذاته ،فالوجه مجاز عن الذات ،من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل .
التفسير:
88-{ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} .
إن سورة القصص التي ذكرت قصة موسى ،ورعاية الله له حتى أدى رسالته ،ثم أغرق الله فرعون ونجى موسى ،كما ذكرت قرب الختام قصة قارون ونهايته إلى الخسف والهلاك ،تأخذ بيدنا إلى أن الخيوط كلها مرتبطة بيد القدرة الإلهية التي تفعل ما تريد ،فمن وجد الله وجد كل شيء ،ومن فقد الله فقد كل شيء .
{ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو ..}
لا تعبد مع الله الواحد الأحد إلها آخر ،سواء أكان صنما أم وثنا أم جنا أم ملائكة ،أم نجما أم حيوانا ،لأن هذه آلهة مدّعاة ،لا حقيقة لها ،وليس هناك إله بحق إلا الله ،لا إله إلا هو .ولا معبود بحق سواه ،وفي معنى ذلك قوله تعالى:{قل هو الله أحد* الله الصمد*لم يلد ولم يولد*ولم يكن له كفؤا أحد} [ الإخلاص: 1-4]
{كل شيء هالك إلا وجهه ..}
كل ما تراه في هذه الدنيا يدركه الفناء والموت والهلاك ،إلا ذات الله المقدسة ،فهو الدائم الباقي ،الحي القيوم الذي يميت الخلائق ولا يموت ،كما قال سبحانه:{كل من عليها فان*ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [ الرحمان: 26 ،27] .
وقال عز شأنه:{كل نفس ذائقة الموت ..} [ آل عمران: 185] .
أي: كل إنسان يموت ،وكل حيوان يموت ،تلك سنّة الله في هذه الحياة ،أي يهلك جيل ،لينشأ جيل آخر ،حتى تتسع رقعة الأرض للناس ،جيلا بعد جيل ،والله خالق الأرض ،وهو الذي قدّر فيها أرزاقها وأقواتها ،وهو الذي خلق الموت والحياة ،وأحكم الخلق ،وقدّر الأمور ،تقدير الحكيم العليم ،فهو الإله وحده ،وهو غني عن العالمين ،والناس فقراء إليه ،يخلقهم ويرزقهم ويميتهم ويحييهم .
وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أصدق كلمة قالها شاعر ،لبيد حين يقول: ألا كل شيء ما خلا الله باطل )xxxvii .
وقال تعالى:{هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} [ الحديد: 3]
فهو سبحانه قبل كل شيء وليس قبله شيء ،وهو سبحانه آخر كل شيء وليس بعده شيء ،وكل الذوات فانية زائلة ،إلا ذاته سبحانه وتعالى ،فهو منزه عن الفناء والموت ،والنوم ومشابهة الحوادث ،ومتصف بكل كمال ،ومنزه عن كل نقص ،وهو سبحانه حي لا يموت ،والإنس والجن يموتون .
{له الحكم ..} له الأمر والتصرف ،والقضاء النافذ في الخلق ،وبيده الخلق والأمر .
{وإليه ترجعون} فيجازيكم بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا .
وبهذا الختام نجد الآية لوحة هادفة في تقرير الألوهية والوحدانية والبقاء لله تعالى ،وأن الحكم بيده ،فهو سبحانه يعز من يشاء ويذل من يشاء ،ومصير الخلائق بيده ،ليقضي بينهم بالحكم والعدل .
فلا معنى لعبادة إله آخر غير الله ،ما دامت خيوط القدرة كلها بيده سبحانه ،وما دام هو الأول والآخر ،والباقي بعد فناء جميع الموجودات ،والمتصرف تصرفا مطلقا في هذا الكون ،وإليه المرجع والمآب .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،ولله تعالى الفضل والمنة ،وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة ،وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .