/م33
44{إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} .
لكن برحمتنا الواسعة نحفظكم من المهالك ،ونسيركم في البرّ والبحر ،ونرزقكم بخيرات السماء والأرض ،ونمتعكم بمتاع الدنيا إلى انتهاء آجالكم وإلى حين موتكم ،فالإنسان وقد ولد وقد سجل معه أجله ورزقه وشقاؤه أو سعادته ،وحين ينجو من الهلاك في البحر بفضل الله ورحمته ،فهذا الإنقاذ إمتاع بالحياة الدنيا إلى وقت انتهاء أجله ،وقريب من ذلك ما أنشده أبو الطيب المتنبي في وصف الحمّى حيث يقول:
أقمت بأرض مصر فلا ورائي*** تخب بي المطيّ ولا أمامي
وملني الفراش وكان جنبي*** يملّ لقاءه في كل عام
قليل عائدي أسف فؤادي ***كثير حاسدي صعب مرامي
وزائرتي كأنّ بها حياء*** فليس تزور إلا في الظلام
إذا ما فارقتني غسَّلتني*** كأنا عاكفان على حرام
كأن الصبح يطردها فتجري*** مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق ***مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها والصدق شر*** إذ ألقاك في الكرب العظام
أبنت الدَّهر عندي كل بنت *** فكيف نجوت أنت من الزحام
جرحت مجرحا لم يبق فيه *** مكان للسيوف ولا السهام
فإن أمرض فما مرض اصطباري وإن أحمم فما حمّ اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن *** سلمت من الحمام إلى الحمام
وموضع الشاهد أنه إذا سلم من الحمّى فلن يخلّد في الدنيا ،بل يسلم من الحمى لوقت محدد ،ثم يلقى الحمام وهو الموت .
قال ابن كثير:
{إِلا رَحْمَةً مِنَّا ...} وهذا استثناء منقطع ،تقديره: ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر ،ونسلّمكم إلى أجل مسمى ،ولهذا قال تعالى:{وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} . إلى وقت معلوم عند الله عز وجل17 .