/م45
47{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
كان أهل مكة على جانب كبير من الغنى والجاه والمال ،ولهم تجارة رابحة تتحرك إلى صيفا وإلى اليمن شتاء ،ومع ذلك حافظوا على التكبّر والعتوّ ،والاستزادة من الخمر والمتعة ،والزهد في ثواب الآخرة ،وإذا قيل لهم: أخرجوا شيئا من المال للفقراء والمساكين ،وأطمعوا الجائع واكسوا العاري واقضوا حاجة المحتاجين ،رفضوا ذلك وتعللوا بأن الله هو الذي أفقر هؤلاء الفقراء ،ولو الله لأطعمهم ،فنحن ننفذ مشيئة الله ولا نطعمهم ،وهذه أفكار ضالة ،لأن الله تعالى له حكمة ،حيث أغنى بعض عباده ،وأفقر بعضهم ،وحثّ الأغنياء على العطف ،وإخراج الزكاة والصدقة للفقراء ،وبذلك يصبح المال وسيلة للتعاون والتراحم والترابط ،ونشر المودة والرحمة ،فالله تعالى أفقر وأغنى ،ولكنه ذم البخل والشح .
قال تعالى:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [ الحشر:9] .
وحث القرآن على الصدقة ،وأمر بالزكاة ،وحث على مساعدة الفقراء واليتامى والمساكين ،ورعاية الجار وصلة الرحم ،وبذلك أصبح للفقير حق معلوم من الزكاة والصدقة والمساعدة ،وأصبح الغنى موظفا في ماله ،يتاجر ويربح لكنه مطالب بالزكاة ،وبسدّ حاجة المحتاجين إذا لم تكف الزكاة .
وعن ابن عباس: كان بمكة زنادقة ،فإذا أُمروا بالصدقة على المساكين قالوا: لا والله ،أيفقرهم الله ونطعمهم نحن ؟!
وورد في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآية روايات ،منها ما يأتي:
روى أن أبا بكر الصديقرضي الله عنهكان يطعم مساكين المسلمين ،فلقيه أبو جهل ،فقال له يا أبا بكر ،أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟قال: نعم ،قال: فما باله لم يطعمهم ؟قال أبو بكر: ابتلى سبحانه قوما بالفقر ،وقوما بالغنى ،وأمر الفقراء بالصبر ،وأمر الأغنياء بالإعطاء ،فقال أبو جهل: والله يا أبا بكر إن أنت إلا في ظلال ،أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ،ثم تطعمهم أنت ؟فنزلت هذه الآية
وقيل: كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين ،قال له: اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك ،ثم يقول: قد منعه الله فأطعمه أنا18 .