المفردات:
لن يستنكف: لن يأنف ولن يستكبر ،وأصله من النكف .وهو تنحية الدمع عن الخد بالأصبع .
المقربون: الذين قربهم الله تعالى ورقع منازلهم على غيرهم .
ويستكبر: أصل الاستكبار: طلب الكبر والترفع عن الناس من غير استحقاق .
التفسير:
172- لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ .المسيح عيسى ابن مريم لن يأنف ولن يمتنع عن أن يكون واحدا من عباد الله ؛لأنه عليه السلام- وهو نبي الله ورسوله- يوقن أنه من خلق الله .ويعلم أن الكل عبيد الله ،وأن العبودية لله لا تنقص من قدره ،ولا من قدر رسل الله وملائكته .فالعبودية لله مرتبة لا يأباها إلا كافر بنعمة الخلق والإنشاء .
وقد تحدثت آيات القرآن عن هذا المعنى في أكثر من موضع وأجابت عنه إجابة مقنعة ،داحضة للافتراء .
قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ،لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ،تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ،أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ،إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ،لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ،وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا .( مريم:88-95 ) .
وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ .أي: وكذلك الملائكة المقربون لن يأنفوا ولن يمتنعوا عن أن يكونوا عبيدا لله لأنهم مفطورون على الطاعة .
لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .( التحريم:6 ) .
والمقصود بهذا الاستطراد: تقوية الرد على النصارى وتأكيده حيث زعموا أن عيسى إله مع الله فلن يكون عبدا له ،ولما كان منشأ ذلك عندهم ،أن عيسى خلق من غير أب ،بين الله لهم أن الملائكة خلقوا من غير أب ولا أم ،ولهم عند الله تلك المكانة العالية ،وانهم أكمل حالا في العلم بالمغيبات ،وفي القدرة على حمل ما لا يستطيعه البشر ،وهم- مع ذلك- لا يأنفون من وصفهم بالعبودية ،بل يعتزون بأنهم عباد الله ...فكيف يأنف عيسى من ذلك ؟والعبودية لله أعلى مراتب الشرف ،وأعظم درجات الكمال كما قال الشاعر:
ومما زادني عجبا وتيها *** وكدت بأخمصى أطا الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا
وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا .أي: ومن يأنف من عبادة الله ويمتنع عنها ،ويأبى الخضوع لطاعة الله ،ويستكبر عن كل ذلك ،فسيجد يوم القيامة ما يستحقه من عقاب بسبب استنكافه واستكباره ،فإن مرد العباد جميعا إليه- سبحانه- وسيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .