المفردات:
بآية: بمعجزة .
أمر الله: قضاء الله ،أو يوم القيامة .
بالحق:بالعدل .
المبطلون: أهل الباطل .
التفسير:
78-{ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} .
إن رسالة محمد لم تكن بدعا من الرسل ،بل قد سبقه رسل وأنبياء كثيرون ،ذكر القرآن الكريم طائفة منهم ،ولم يذكر طائفة منهم ،فقد سجل القرآن الكريم قصص آدم ونوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وزكريا ويحيى وأيوب وداود وسليمان ويونس وإسماعيل وإدريس ،ومجموع من ذكرهم القرآن الكريم من الرسل خمسة وعشرون رسولا ،ومن الرسل من لم يذكر القرآن أخبارهم ،وهم أكثر من ذلك بأضعاف أضعاف .
كما قال تعالى:{ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك ...} ( النساء: 164 ) .
أخرج الإمام أحمد ،عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله كم عدد الأنبياء ؟قال:"مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ،والرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر ،جمّا غفيرا"{[638]} .
لقد ذكر القرآن الكريم أخبار المرسلين وكفاحهم ،وأحيا ذكراهم ،واقتصر في الذكر على نماذج محدودة ،ولم يذكر جميع الرسل لحكمة إلهية عليا ،فالقرآن ليس كتاب إحصاء ،وليس كتاب تاريخ أو معارف ،لكنه ذكر نماذج من الرسل ،وعينات من العلوم والمعارف ،وقبسات من تاريخ الأمم والملوك والرسل للعظة والاعتبار .
قال تعالى:{لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} . ( يوسف: 111 ) .
وقد أيد الله الرسل بالمعجزات ،وأنزل عليهم الآيات والصحف والكتب وألوان الهداية .
{وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ...} .
إن مجيء الآيات والمعجزات يتم بحكمة إلهية ،وباختيار الله لكل رسول بما يناسبه ،فقد أيد الله إبراهيم بأن جعل النار بردا وسلاما عليه ،وأيّد موسى باليد والعصا وتسع آيات بينات ،كما أيّد عيسى بإحياء الموتى بإذن الله ،وشفاء المرضى بإذن الله ،وجعل معجزة محمد صلى الله عليه وسلم من جنس ما برع فيه قومه ،وهو البيان والقصائد والخطب والنظام والنثر ،فجاء القرآن في الذروة العليا من الفصاحة لكنه ليس شعرا ،وليس أساطير الأولين ،وليس كهانة ،ولكنه وحي الله إلى رسوله ،وقد اقترح كفار مكة ألوانا من المعجزات تشبه ناقة صالح ،أو عصا موسى ،كما اقترحوا أن يأتي لهم الرسل بالأنهار والبساتين حتى تصبح مكة مثل قرى الشام في الزراعة وطيب النسيم ،والقرآن يذكر أن مجيء الآيات والمعجزات أمر إلهي ،ولا دخل للرسل في اقتراحها أو المجيء بها ،وإن كانت طبيعة الرسول البشرية تتمنى أن يتحقق للناس ما يتطلعون إلى وقوعه من المعجزات ،ليكون ذلك باعثا لهم عن الإيمان والتصديق ،ولكن الله تعالى لا يعجل لعجلة العباد ،ويريد لعباده المؤمنين أن ينالوا قسطا من الصبر والبتلاء ،حتى يكون الإيمان عن قناعة ورغبة وجهاد وتضحية .
{وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} . ( آل عمران: 141 ) .
{فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} .
أي: إن الله يمهل مجيء الآيات ليأخذ الناس فرصة واسعة قبل نزول العذاب ،فإذا جاء أمر الله ووعده بإهلاك الكافرين في الدنيا ،أو عذابهم في الآخرة ؛جعل ذلك بالعدل والحق ،ولا مجال لاعتذار أو تراجع بل عذاب رادع في الدنيا ،أو دخول جهنم في الآخرة ،كما حدث في غرق نوح ،أو هلاك عاد وثمود ،أو غرق فرعون وملئه .
وعندئذ يخسر المبطلون ،ويحيق العذاب الشديد بأهل الباطل في الدنيا والآخرة .
{وما ربك بظلام للعبيد} . ( فصلت: 46 ) .