/م33
المفردات:
يُنبأ: يُعلم ويخبر .
صحف موسى: التوراة .
صحف إبراهيم: ما نزل عليه من الحكم والشرائع .
وفّى: أتمّ ما أمر به على أبلغ وجه في الوفاء .
ألا تزر وازرة وزر أخرى: لا تحمل نفس حمل نفس أخرى .
التفسير:
36 ، 37 ، 38-{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
أي: ألم يخبر بما نصت عليه التوراة ،وما ذكر في شرائع إبراهيم الذي وفّى بما عاهد الله عليه ،وأتمّ ما أمر به .
{أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
أي: لا تحمل نفس ذنوب نفس أخرى ،فكل نفس اكتسبت إثما بكفر أو معصية فعليها وزرها ،لا يحمله عنها أحد ،كما قال تعالى:{وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ...} ( فاطر: 18 )
قال ابن عباس:
كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره ،يأخذون الولي بالولي ،أي القريب بالقريب ،في القتل والجراحة ،فيُقتل الرجل بذنب أبيه وابنه ،وأخيه وعمّه ،وخاله وابن عمه ،والزوجة بزوجها ،وزوجها بها ،وبعبده ،فبلّغهم إبراهيم عن الله تعالى: ألا تزر نفس وزر أخرى .
أي: لا تحمل نفس ذنب نفس أخرى .
قال تعالى:{كل امرئ بما كسب رهين} . ( الطور: 21 )
أي: الإنسان مرتهن بعمله ،إن كان شرّا عوقب عليه ،وإن كان خيرا كوفئ عليه .
وفاء إبراهيم عليه السلام
ظهر ذلك جليّا في التزامه بتنفيذ جميع ما أمره به الله ،وترك ما نهاه الله عنه ،قال تعالى:{وإذِ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماما ...} ( البقرة: 124 ) .
وإبراهيم عليه 4السلام قد وفّى عندما أمره الله بذبح ولده إسماعيل ،وقد مدحه الله بقوله:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} .( الصافات: 103-109 ) .
وروى ابن أبي حاتم ،وابن جرير ،عن سهل بن معاذ بن أنس ،عن أبيه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا أخبركم لم سمّى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى ؟إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ( 17 ) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ( 18 ) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} .( الروم: 17-19 )
وقال تعالى:{ثم أوحينا إليك أن اتبع ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} .( النحل: 123 ) .
وإنما خص القرآن ما جاء في صحف إبراهيم وموسى ،لأن المشركين كانوا يدَّعون أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم ،وكانت لا تزال بقية مما جاء به إبراهيم معروفة بينهم ،كما أن أهل الكتاب كانوا يدَّعون أنهم متبعون ما في التوراة ،وصحفها قريبة العهد منهم .