المفردات:
الطريقة: هي طريق الإسلام .
غدقا: كثيرا .
لنفتنهم فيه: لنختبرهم ،أيكفرون أم يشكرون .
يسلكه: يدخله .
صعدا: شاقّا ،يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ،ومنه قول عمر: ( ما تصعّدني شيء كما تصعّدني في خطبة النكاح ) ،أي: ما شق عليّ .
التفسير:
16 ،17- وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا* لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا .
يلتفت الخطاب ويتغير من الحديث على لسان الجن إلى خطاب موجّه من الله تعالى لنبيه وللبشرية كلها ،يدعوها إلى الهداية والإيمان بالله ،ويبين أن سعادة الدنيا والآخرة في طاعة اله ورسوله ،والتمسك بأهداف لتشريع الإلهي .
والمعنى:
لو أن الجن والإنس استقاموا على طريقة الإسلام لأغدق الله عليهم النّعم ،وحفّتهم بركات السماء ،فحيث يكون الماء يكون المال ،وحيث يكون المال تكون الفتنة والاختبار .
لنفتنهم فيه ...
لنعاملهم معاملة المختبر ،حيث نعطيهم النعمة ونرى تصرّفهم حيالها .
ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا .
ومن أعرض عن هدى الله ،واختار العاجلة على الآجلة ،ترك الله قلبه للشقاء والعذاب المتصاعد الأليم ،الذي يعلوه ويغلبه ولا يطيق له حملا .
والآيتان تشيران إلى سنة من سنن الله ،وهي إسعاد من يختار طريق الهدى ،لأنه متناسق مع الكون ،خاضع لأمر الله ،متوافق مع سنن الله ،ومع نواميس الكون والحياة ،وأن من يعرض عن هداية الله وشرعه يصب بالتعاسة والعذاب الداخلي الذي لا يطيق حمله ،ولا التغلب عليه .
وقريب من ذلك قوله تعالى: ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون .( الأنبياء: 105 ) .
وقوله عز شأنه: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون .( الأعراف: 96 ) .
وفي صحيح البخاري: ( إن هذا المال خضرة حلوة ،فمن أخذه بحقه فنعم المعونة هو ،ومن أخذه من غير حقّه كان كالذي يأكل ولا يشبع ،وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ ،إلا آكلة الخضراء ،أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها ( جنباها ) استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت )ii .
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج لكم من زهرة الدنيا ) ،قالوا: وما زهرة الدنيا ؟قال: ( بركات الأرض )iii .
وجاء في تفسير القرطبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( والله ما الفقر أخشى عليكم ،وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم ،فتنافسوها كما تنافسوها ،فتهلككم كما أهلكتهم )iv .