خزنة جهنم
{وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضلّ الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر 31 كلاّ والقمر 32 والليل إذ أدبر 33 والصبح إذا أسفر 34 إنها لإحدى الكبر 35 نذير للبشر 36 لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخّر 37}
المفردات:
أصحاب النار: خزنة جهنم .
ملائكة: أي: ليسوا بشرا مثلكم يطاقون .
فتنة: سبب فتنة واختبار وامتحان ،أو ضلال للذين كفروا .
ليستيقن: ليستبين ،أو ليوقن .
أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى .
مرض: نفاق وشك .
مثلا: حديثا ،أو ماذا أراد الله بهذا العدد المستغرب استغراب المثل .
كذلك: مثل إضلال المنكر لهذا العدد ،كأبي جهل وأحزابه ،وهداية مصدّقه .
جنود ربك: خلقه من الملائكة وغيرهم .
ذكرى: تذكرة وموعظة للناس .
/م31
التفسير:
31- وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر .
لم نجعل زبانية جهنم أفرادا من البشر حتى يزعم كفار مكة أنهم يستطيعون التغلّب عليهم ،بل هم ملائكة لا حدود لطاقاتهم ،فقد استطاع جبريل وحده أن يقتلع قرى قوم لوط ،وأن يرفعها إلى السماء ،ثم يهوي بها حيث جعل الله عاليها سافلها ،وأمطر عليهم حجارة من سجيل ،فالملائكة قوة خارقة للعادة ،ولا تأخذهم الرحمة أو الرأفة بأهل النّار .
قال تعالى: عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .( التحريم: 6 ) .
ولأن الملائكة أشد خلق الله بأسا ،وأقواهم بطشا ،فلا يقدر أهل النار عليهم ،ولا يستطيعون مغالبتهم .
وما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا ...
أي: امتحانا للكفار ،واختبارا لهم ،حيث استبعدوا أن يكون العدد القليل كافيا لتعذيب أهل جهنم ،وما علموا أنّ أحوال القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا ،وليس للعقل فيها مجال ،ولأنهم قالوا: لم هذا العدد بالذّات ،ولم يكملوا عشرين ؟وما علموا أن أفعال الله تعالى لا تعلل ،فقد ذكر الله ذلك العدد لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى ،كما أفاد بذلك الفخر الرازي في تفسيره الكبير .
ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ...
ليتيقن الذين أوتوا الكتاب –وهم اليهود والنصارى- بأن محمدا صادق ،وأن القرآن حقّ ،حيث إن العدد الذي ذكره القرآن الكريم ،هو نفس العدد الذي ذكرته الكتب السماوية التي بين أيديهم .
ويزداد الذين آمنوا إيمانا بصدق نبيّهم ،وكتاب ربهم ،حيث ينضمّ إيمانهم بذلك إلى إيمانهم بسائر ما أنزل .
قال الآلوسي: أخرج الترمذي ،وابن مردويه ،عن جابر قال: قال ناس من اليهود لأناس من المسلمين: هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم ؟فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال: ( هكذا وهكذا ) ،في مرة عشرة ،وفي مرة تسعة .
وبذلك ترى أن ازدياد الذين آمنوا إيمانا ،حيث يزيدون تصديقا لنبيّهم ولكتاب ربهم ،وحيث يجدون ذلك مؤيدا بما في الكتب السابقة .
ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ...
أي: فعلنا ذلك ليكتسب أهل الكتاب اليقين من نبوته صلى الله عليه وسلم ،وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ،ولتزول كل شبهة قد تطرأ على قلوب الذين أوتوا الكتاب ،وعلى قلوب المؤمنين ،وهذا الكلام تأكيد لما قبله ،من الاستيقان وزيادة الإيمان ،ونفي لما قد يعترى المستيقن من شبهة وشكّ ،فإذا جمع لهم إثبات اليقين ونفي الشك ،كان آكد وأبلغ .
وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ...
أي: ليقول المنافقون والكافرون بمكة ،المصرّون على التكذيب .
ماذا أراد الله بهذا مثلا ...
ما الذي أراده الله بهذا العدد ( 19 ) المستغرب استغراب المثل ؟وأي حكمة قصدها الله من جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين ؟ومرادهم إنكار الأمر من أصله ،وأنه ليس من عند الله ،وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص ،كما يقول الزمخشري .
كذلك يضلّ الله من يشاء ويهدي من يشاء ...
كذلك يضل الله من يشاء من الكافرين ،ويهدي من يشاء من المؤمنين ،ولله الحجة البالغة والحكمة العالية .
ولا يضلّ إلا من آثر الهوى ،وكره الهدى ،وآثر الحياة الدنيا ،فالجحيم هي مأواه ،ولا يهدي إلا من تأمّل في دلائل الإيمان ،وآثر الآخرة على الدنيا ،وخاف مقام ربه واستهدى بهدايته .
وما يعلم جنود ربك إلا هو ...
أي: لا يعلم عددهم وكثرتهم وقدرتهم وقوّتهم إلا الله تعالى ،لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر وقد ثبت في حديث الإسراء الذي أخرجه الشيخان ،في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة: ( فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ،لا يعودون إليه آخر ما عليهم ) .
وروى الإمام أحمد ،عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني أرى ما لا ترون ،وأسمع ما لا تسمعون ،أطّت السماء وحقّ لها أن تئط ،ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد ،لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ،ولبكيتم كثيرا ،ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى )v .
أخرجه أحمد ،والترمذي ،وابن ماجة ،وقال الترمذي: حسن غريب .
وأخرج الحافظ الطبراني ،عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف ،إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع ،فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ،إلا أنّا لم نشرك بك شيئا ) .
وقد أورد الحافظ ابن كثر في تفسيره –وغيره من المفسرين- طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة تبين كثرة جنود الله تعالى ،وامتلاء السماء بملائكة ساجدين راكعين .
كما قال تعالى: وإنّا لنحن الصّافّون* وإنا لنحن المسبّحون .( الصافات: 165 ،166 ) .
وما هي إلا ذكرى للبشر .
ليست سقر التي ذكرنا لكم أن عليها تسعة عشر ملكا ،إلا تذكرة للبشر ،ليتعظوا ويتجنّبوا حرّها ولهيبها ،ويذكروا قدرة الله الواسعة التي لا تحتاج إلى ملك ولا إلى تسعة عشر ،ويعلموا كمال قدرة الله وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار .