/م1
المفردات:
ألا يظن: يتيقن ،وهو استفهام توبيخوإنكار وتعجب من حالهم ،وعبّر بالظن لأن من ظن ذلك لم يتجاسر على أمثال هذه القبائح ،فكيف بمن تيقنه .
يوم يقوم الناس: من قبورهم .
لرب العالمين: لأمره وحكمه وحسابه وجزائه ،والتعبير برب العالمين وقيام الناس للحساب ،مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه .
التفسير:
ثم توعّد الله المطفّفين بقوله:
4 ،5 ،6- لا يظن أولئك أنهم مبعوثون* ليوم عظيم* يوم يقوم الناس لرب العالمين .
هؤلاء المعتدون ألا يخطر ببالهم أنهم مبعوثون ،ومسئولون عما يفعلون ،في يوم عظيم أمره ،شديد خطره ،حين يقوم الناس من قبورهم للحشر والحساب والجزاء ،وتنفيذ أمر الله ،فمن وفّى وفّي له ،ومن طفف وظلم أدخل نارا حامية ،أما يخاف هؤلاء يوم القيامة ،حيث يقف الجميع على أرض بيضاء عفراء ،وتقترب الشمس من الرؤوس ،ويشتد العرق حتى يصل إلى رقاب الناس ،أو يفغر أفواههم ،أما يخافون هول هذا اليوم ،وما فيه من حساب وجزاء .
قال تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرا يره .( الزلزلة: 7 ،8 ) .
إن مجرد الظن بالقيامة والبعث والحساب والجزاء ،جدير بأن يردع الإنسان عن تطفيف الكيل والميزان ،وظلم الآخرين والإساءة إليهم ،فما بالك إذا كان لك عين اليقين .
وقيل: الظن هنا بمعنى اليقين ،أي: ألا يوقن أولئك بالبعث في ذلك اليوم العظيم ،ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والميزان ،وهذا دليل على أن التطفيف من الكبائر .
قال الإمام فخر الدين الرازي:
جمع الله سبحانه في هذه الآيات أنواعا من التهديد:
فقال أولا: ويل للمطفّفين .وهذه الكلمة تذكر عند نزول البلاء .
ثم قال ثانيا: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون .وهو استفهام بمعنى الإنكار .
ثم قال ثالثا: ليوم عظيم .والشيء الذي يستعظمه الله لا شك أنه في غاية العظمة .
ثم قال رابعا: يوم يقوم الناس لرب العالمين .وفيه نوعان من التهديد:
أحدهما: كونهم قائمين مع غاية الخشوع ،ونهاية الذلّ والانكسار .
والثاني: أنه وصف نفسه بكونه ربا للعالمين .
فائدة:
بمناسبة تفسير قوله تعالى: يوم يقوم الناس لرب العالمين .
تكلم المفسرون عن قيام الناس بعضهم لبعض ،وفيه خلاف ،فمنهم من أجازه ،ومنهم من منعه .
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى جعفر بن أبي طالب ،واعتنقه ،وقام طلحة لكعب بن مالك يوم تاب الله عليه ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: ( قوموا إلى سيدكم )iv .إشارة إلى سعد بن معاذ .
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ( من سرّه أن يمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ) . v .
وقد روى القرطبي هذه الآثار ،ثم قال: وذلك يرجع إلى حال الرجل ونيّته ،فإن انتظر ذلك واعتقده لنفسه فهو ممنوع ،وإن كان على طريق البشاشة والصلة فإنه جائز وبخاصة عند الأسباب ،كالقدوم من السفر ونحوه .