)وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) ( البقرة:58 ) ) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) ( البقرة:59 )
التفسير:
قوله تعالى:{وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} أي واذكروا يا بني إسرائيل إذ قلنا ادخلوا هذه القرية ؛و{ادخلوا} أمر كوني ،وشرعي ؛لأنهم أُمروا بأن يدخلوها سجداً وهذا أمر شرعي ؛ثم فُتحت ،فدخلوها بالأمر الكوني ..
واختلف المفسرون في تعيين هذه القرية؛والصواب أن المراد بها: بيت المقدس ؛لأن موسى قال لهم:{ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} [ المائدة: 21]؛و{القرية} هي البلد المسكون ؛مأخوذة من القرْي .وهو التجمع ؛وسميت البلاد المسكونة قرية لتجمع الناس بها ؛ومفهوم القرية في اللغة العربية غير مفهومها في العرف ؛لأن مفهوم القرية في العرف: البلد الصغير ؛وأما الكبير فيسمى مدينة ؛ولكنه في اللغة العربية .وهي لغة القرآن .لا فرق بين الصغير ،والكبير ؛فقد سمى الله عزّ وجلّ مكة قرية ،كما في قوله تعالى:{وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم} [ محمد: 13]: المراد بقريته التي أخرجته: مكة ،وقال تعالى:{وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها} [ الشورى: 7]: فسمى مكة أم القرى وهو شامل للبلاد الصغيرة ،والكبيرة ..
قوله تعالى:{فكلوا منها}: الأمر للإباحة أي فأبحنا لكم أن تأكلوا منها ؛{حيث شئتم} أي في أي مكان كنتم من البلد في وسطها ،أو أطرافها تأكلون ما تشاءون ؛{رغداً} أي طمأنينة ،وهنيئاً لا أحد يعارضكم في ذلك ،ولا يمانعكم ..
قوله تعالى:{وادخلوا الباب} أي باب القرية ؛لأن القرى يجعل لها أبواب تحميها من الداخل ،والخارج ؛{سجداً} منصوب على أنه حال من الواو في قوله تعالى:{ادخلوا} أي ساجدين ؛والمعنى: إذا دخلتم فاسجدوا شكراً لله ؛وعلى هذا فالحال ليست مقارنة لعاملها ؛بل هي متأخرة عنه ..
قوله تعالى:{وقولوا حطة} أي قولوا هذه الكلمة:{حطة} أي احطط عنا ذنوبنا ،وأوزارنا ؛فهي بمعنى قولوا: ربنا اغفر لنا ؛والمراد: اطلبوا المغفرة من الله سبحانه وتعالى إذا دخلتم ،وسجدتم ؛و{حطة} خبر لمبتدأ محذوف ؛والتقدير: سؤالنا حطة ،أو حاجتنا حطة .أي أن تحط عنا ذنوبنا ؛والجملة من المبتدأ ،والخبر في محل نصب مقول القول ..
قوله تعالى:{نغفر لكم} بنون مفتوحة ،وفاء مكسورة ؛وفي قراءة:{تُغفَر لكم} بتاء مضمومة ،وفاء مفتوحة ؛وفي قراءة ثالثة:{يُغفَر} بياء مضمومة وفاء مفتوحة ؛وكلها قراءات صحيحة ؛بأيها قرأت أجزأك ..
وقوله تعالى:{نغفر لكم خطاياكم}:"المغفرة "هي ستر الذنب ،والتجاوز عنه ؛ومعناه أن الله ستر ذنبك ،ويتجاوز عنك ،فلا يعاقبك ؛لأن"المغفرة "مأخوذة من المغفر .وهو ما يوقى به الرأس في الحرب ؛لأنه يستر ،ويقي ؛ومن فسر"المغفرة "بمجرد الستر فقد قصَّر ؛لأن الله تعالى إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة ،وقرره بذنوبه قال:"قد سترتها عليك في الدنيا ،وأنا أغفرها لك اليوم "{[99]} أي اليوم أسترها أيضاً ،ثم أتجاوز عنها ؛و{خطاياكم} جمع خَطِيَّة ،ك "مطايا "جمع مطية ؛و"الخطية "ما يرتكبه الإنسان من المعاصي عن عمد ؛وأما ما يرتكبه عن غير عمد فيسمى"أخطاء "؛ولهذا يفرق بين"مخطئ "،و "خاطئ "؛الخاطئ ملوم ؛والمخطئ معذور ،كما قال الله تعالى:{لنسفعاً بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة} [ العلق: 15 ،16] ،وقال تعالى:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} ( البقرة: 286 )
قوله تعالى:{وسنزيد} أي سنعطي زيادة على مغفرة الذنوب{المحسنين} أي الذين يقومون بالإحسان ،و"الإحسان "نوعان: .
الأول: إحسان في عبادة الله ؛وقد فسره رسول اللهصلى الله عليه وسلم بقوله:"أن تعبد الله كأنك تراه ؛فإن لم تكن تراه فإنه يراك{[100]} "..
والنوع الثاني: إحسان في معاملة الخلق وهو بذل المعروف ،وكفُّ الأذى ..
/خ59