تبديل القول
(وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ( 58 ) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ( 59 ) (
المفردات:
القرية: لغة مجتمع الناس ومسكن النمل ،ثم غلب استعمالها في البلاد الصغيرة ،وليس ذلك المراد هنا بل المراد المدينة الكبيرة ؛لأن الرغد لا يتسنى إلا فيها .
الرغد: الهنىء ذو السعة .
والباب: هو أحد أبواب بيت المقدس ويدعى الآن ( باب حطة )
وسجدا: أي ناكسي الرؤوس .
والمحسن: من فعل ما يجمل في نظر العقل ويحمد في لسان الشرع .
/م58
التفسير:
اذكروا يا بني إسرائيل لتتعظوا وتعتبروا وقت أن أمرنا أسلافكم بدخول بيت المقدس بعد خروجهم من التيه .وأبحنا لهم أن يأكلوا من خيرات هذه البلدة أكلا هنيئا ذا سعة ، وقلنا لهم: ادخلوا من بابها راكعين شكرا لله على ما أنعم به عليكم من نعمة فتح الأرض المقدسة متوسلين إليه سبحانه بأن يحط عنكم ذنوبكم ،فإن فعلتم ذلك العمل اليسير وقلتم هذا القول القليل غفرنا لكم ذنوبكم وكفرنا عنكم سيئاتكم ،وزدنا المحسن منكم خيرا جزاء إحسانه ،ولكنهم جحدوا نعم الله وخالفوا أوامره ،فبدلوا بالقول الذي أمرهم الله به قولا آخر أتوا به من عند أنفسهم على وجه العناد والاستهزاء فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون .
وقوله تعالى: فكلوا من حيث شئتم رغدا فيه إشعار بكمال النعمة عليهم واتساعها وكثرتها حيث أذن لهم في التمتع بثمرات القرية وأطعمتها من أي مكان شاءوا .
وقوله تعالى: وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة .إرشاد لهم إلى ما يجب عليهم نحو خالقهم من الشكر والخضوع ،وتوجيههم إلى ما يعنيهم على بلوغ غايتهم ،بأيسر الطرق وأسهل السبل ،فكل ما كلفوا به أن يدخلوا من باب المدينة التي فتحها الله لهم خاضعين مخبتين ،وأن يضرعوا إليه بأن يحط عنهم آثامهم ويمحو سيئاتهم .
وقوله تعالى: نغفر لكم .بيان للثمرة التي تترتب على طاعتهم لله .
قال الإمام ابن جرير: نغفر لكم خطاياكم .أي نتغمد لكم بالرحمة خطاياكم ونسترها عليكم ،فلا نفضحكم بالعقوبة عليها ،وأصل الغفر التغطية والستر ،فكل ساتر شيئا فهو غافر ،والخطايا جمع خطية بغير همز كالمطايا جمع مطية( 154 ) .
وسنزيد المحسنين أي وسنزيد المحسنين ثوابا من فضلنا ،وقد أمرهم بشيئين: عمل يسير وقول صغير ،ووعدهم بغفران السيئات وزيادة الحسنات .
وقد أمرهم سبحانه أن يدخلوا باب المدينة التي فتحوها خاضعين وأن يلتمسوا منه مغفرة خطاياهم ،ولأن تغلبهم على أعدائهم ،ودخولهم الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم نعمة من أجل النعم وهي تستدعي منهم أن يشكروا الله بالقول والفعل ،لكي يزيدهم من فضله ،فشأن الأخيار أن يقابلوا نعم الله بالشكر .
ولهذا كان النبيصلى الله عليه وسلميظهر أقصى درجات الخضوع لله تعالى عند النصر والظفر وبلوغ المطلوب .
فعندما تم له فتح مكة دخلها على راحلته حتى أوشك أن يسجد عليها وهو يقول:"تائبون آيبون حامدون لربنا شاكرون "( 155 ) .